تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ناقتي يا ناقتي

ناقتي يا ناقتي

قابلتها في أقصى الأرض متزودة بكتاب أنبتته تربة أرضها، يحكي عنَّا نحن العرب مع ناقة صالح، الكتاب لباحث يتتبع فيه وجود الناقة كمعجزة نبوية في قوم ثمود، ودلالته التاريخية والاجتماعية كرمز للبداوة في هجومها على التحضر للقضاء عليه، وينقِّب في الشعر العربي بحثاً عن هذه الناقة وآثارها في أبيات عظماء من زهير لأبي تمام، وكيف استوطنت الشعور الجمعي.
كلفتةٍ تدلل بها على احترامها لثقافتي، وجدتها أول لقائنا تطلعني بتقدير على كتاب لشجرة طيبة بذرتها منا وتربتها أرض قصية أخرى؛ أطلعتني على ابنة ثقافتنا العربية ونصيرة المرأة فاطمة المرنيسي.
وكما يليق بأمريكية من أصول أفريقية كانت نبرات صوتها تعلو وتنخفض دون سابق إنذار، أما الموضوعات فقد كانت أشبه بالحجلة (لعبة شعبية عالمية حيث يقفز اللاعب على قدم واحدة من مربع لآخر).
قفز حوارنا قفزات متنوعة ومفاجئة انتصفت فيها محدثتي لجهد البشرية صوب التحضر، وجهد المرأة خاصة.
بعد أن أطلعتني بفخر على صورة أوباما التي اعتبرتها تتويجاً لجهود عرقها للتحرر قذفتني بأسئلة كطلقات: هل تحصل المرأة السعودية على نصيبها من الإرث؟
هل تنال ذات الأجر الذي يحصل عليه زميلها الرجل المكافئ لها إمكانات وأداء؟
بطريقة دبلوماسية (على طاري أوباما) قلت لها أننا نسير خطواتنا الصغيرة بثبات صوب مستقبل أفضل، وبتملص انسحبت من الحوار على وعد بإتمامه.
أهدتني كتاباً عن أشكال العبودية في الثقافات المختلفة على مر العصور، قلبته وقلّبتني فكرة عن صورة المرأة في القرآن الكريم.
سأترك الآيات التي استند عليها البعض لتطفيف كفة المرأة في الميزان لحديث آخر، كفهم «نساؤكم حرث لكم» و»زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة».
كقفزات شيري سأتعدى هذا المربع وأتتبع خيطاً عن وجودها في آيات بداية الخلق.
«يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها». «إني جاعل في الأرض خليفة».
استوقفتني صيغة التأنيث في تسمية بداية البشرية؛ نفس كلمة مؤنثة، وقد استخدمها القرآن مؤنثة، فهو في ذات الآية يشير لها «وخلق منها».
أما كلمة خليفة فمؤنثة لفظياً بأقوى إشارات التأنيث (التاء المربوطة).
هذا تكريم رب العالمين يغفل عنه من غفل ويتغافل من شاء التغافل، وأسترجع أنا قوله تعالى «اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام» الأرحام لا الأنساب، وهذا أعظم تكريم للعلاقات الأمومية.
ليس هذا حديث تفاضل، هو حديث التكامل الذي لا سعادة لمجتمع دونه، ولا ثبات لقواعد بيت دونه.
ولكننا هنا كما قلت لمحدثتي نسير خطوات صغيرة ثابتة صوب المستقبل.
في القرآن الكريم يخبرنا الله تعالى أنه خلق البشرية «أطواراً» ومراحل حتى تكاملت بجنسين (ذكر وأنثى سويين مؤهلين) ومنحهما المعرفة، ثم يأتي امتحان المعرفة في مواجهة الشهوة «اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة» في اختبار أول للشهوات البدائية: الجوع، والجنس والبقاء: «ما منعكما ربكما من هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين» فتجارب البشرية الأولى تقليم للغرائز وتثقيف لها بما تستتبعه التجربة من نتائج «فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة».
وكلها كما هو واضح أفعال شارك فيها الرجل والمرأة القرار والمسؤولية، فلماذا تبرك على رأس قناعاتنا أفكار تظلم المرأة فتحملها أحياناً مسؤولية الخطيئة دون الرجل؟ ولماذا تستعبدها بعض القناعات فتجعلها بضاعة لا سلطة لها وتستبعدها من ساحة القرار؟!
حتى ألقى شيري سأعود لكتبي لعلي أجد فيها ما يجيب عن أسئلتي، سأفكر، وسأقرأ، وسأسمح لعقلي بأن يقفز خارج مربعات المسموح.

جريدة الشرق
١٦-٥-٢٠١٢م

http://www.alsharq.net.sa/2012/05/16/288399
هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *