تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » على جارح القول أخطو

على جارح القول أخطو


القرية الجاهل أهلها

في بلدتي كل شيء يصلنا متأخراً شائخاً بائخاً إلا جديد الموضة ورغم ذا فكل أهلها يتساءلون: لمَ يتقدم الآخرون ونتقهقر؟!،
في بلدتي مازالوا ينظرون بعين الريبة للأنثى الجديدة التي بدأت تتشكل في بعض فتياتهم متشككين في حقها في تقرير مصيرها في الحياة، في العمل، في الزواج,
أماالكتابة فلا حق لها فيها أبداً والسيد الرجل لم تسمح له جسام مهمه بعد أن يخوض غمارها، وما هدفهم تمهيد السبل لها بل قناعة غبية أن السبق رجل,
في بلدتي عرف الاستنساخ قبل دولي وطُبق بطرائق أنجح؛ فالناس هنا يصبون مواليدهم في ذات القوالب القديمة فيختمونهم بدءاً بأسماء أسلافهم ثم يشذبونهم
بمقاساتهم ووفقها متجاهلين أنهم خلقوا لزمان غير زمانهم,
في بلدتي يغدو الأولاد لمدارسهم ببعض كتبهم وكامل أسمائهم وكل اسلحتهم البيضاء، وتروح بعض البنات بماهو أنكى، فإن تم الحصاد ظل الأهل يقلبون الهشيم
ويسبون قاشئيه,
ببلدتي خطرت طفلة بعينين مفتوحتين دهشة وحباً لكل شيء، جُبت مع أقراني دروبها من القصر إلى الدحلة ومن الشرق حتى الرقة (1) نطل من كل علّية وننزل في
جوف كل قليب، نجوس بكل الخرائب، ننطلق من الفية الى البراحة فالنخيل,,
شتاء نواجه المطر ليلاً ونحتفل بسيوله نهاراً، وصيفاً نعد مخارفنا مع طلائع اللقاح في فحل النخل إلى ظهور اول عينة (2) وحتى موسم الصرام,
ذي ديرتي التي علمتني أرضها ما لم تلقّني مدارسها ومجالسها، أحبها فوق ما أحب أهلها,, أحفظ اسم كل نخلة فيها وأعرف أوراق كل نبتة وأسابق رفاقي في تسمية
كل حشرة، أبتكر معهم العاباً لن تشترى لنا، نلعب صباحاً، نلعب ظهراً (رغم أنف حمار القايلة) نلعب عصراً، وعشاء نفترش الارض في الساحات غير المسقوفة نعلق
نواظرنا بالسماء وبرعب لذيذ نعد النجوم همساً حذر أن تسمعنا فتصيبنا بلعنتها وتنبت الثآليل بين أصابعنا,
كبر أقراني وما كبرت وما ينبغي لي, أردت كما طفلة أن أحكي كل ما رأيت، وقفت بعتبة بيتنا مستعيرة لسان اليمانية الرائعة خديجة أشد خطام حلمي العصي
وانشد:حلم ولكن إن يكن
سأسير حافية على جسد الظهيرة
وأشيل من حضن الطفولة زهرة،
وأمر في فرح على جدب العشيرة
صدق انتظار الأرض للمخبوء في السحب الصغيرة
هزمت سيوف الإرث من نفخ الطفولة
لكن سيوف الإرث لم تغمد والعشيرة المجدبة لم تصمت، أفزعهم صوتي فالتموا حولي، أهالوا التراب بدربي ليمحوا آثاره وما مهدته بعد,
نفضت غبارهم عني وعنه وعبرت، أدرج وأغني,
كتبت (بدأت) فكلهم صار قارئي، حروفي المفككة قبلتهم، يقلبونها بحثاً عما يصمونني به من خلالها، حتى العجائز يحرصن أن تحجى عليهن كلماتي كما سواليف بائتة
لحديجان ومريبط فأنا فيهم اليوم أم حديجان عصرية ما توسع صدورهم وكيف وهي تطل جهاراً نهاراً لتبوح بما لا تبيحه أعرافهم,
هؤلاء هم قرائي فهنيئاً لي بهم,
إلى قارىء وحيد:
إني أفترض وجود قارىء واحد خارج دائرة السوء هذه فإليه أتوجه بسؤالي: أكان همّاً خاصاً ذا الذي صدعت رأسك به؛ إذاً استنطق صور جيراني الأُول بكل غرف هذا
الملحق، إن وراء كل منهم حكايات مؤتلفة ومختلفة لكنهم لا يبوحون!! اشتروا الراحة بالتغاضي فهل ربحت تجارتهم؛ ما أحسبها الا تراهم ينفثون سموم عقدهم
المكبوتة بوجوه بعضهم البعض!!،
عافاني الله وإياك مما ابتلى به هؤلاء وأولئك,
أمل الفاران
،(1) اسماء مواقع قديمة بديرتي (السليل),،



،(2) العينة (بكسر العين) أول الرطب,

جريدة الجزيرة
سبتمبر ١٩٩٨
هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *