تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » إحساس

إحساس

– تسيطر عليّ قـناعة غريبة أنها ستموت . 
= كلنا سنموت ! 
– لكني أحس أنها ستموت قريباً .
= وإذن ….؟
– ألم تفهمي ؟ هي لا تعني لي شيئاً ، وإن ماتت يجب أن أبكي ..وأنا لن أفعل … ما أقدر .
قالت رفيقتي : لا بأس ، وقتها تذكري أي موقف حزين (مؤلم ) وحاولي أن تعيشيه ، انفعلي به حتى تذرف عيناك . أنا أحياناً أفعل ذلك .
لما صمتت تكشفت الهيئة الجادة التي اصطنعتها وهي تحاورني عن ابتسامة – ربما – هازئة وهي تقول : بصراحة مشكلتك فـعلاً مشكلة .
ظلت تغالب ضحكتها حتى جاءها الإذن مني بنصف ابتسامة انشق عنها وجهي ،فكركرت هي وغيرت أنا الموضوع ،أعرف أنها لن تفيدني بأكثر مما فعلت ،والظاهر أني ما بحت لها إلا لأنها الأذن الطيبة الوحيدة القريبة .
ودّعـتها حين وصلنا بيتهم وأكملت طريقي .
مررت ببيتها ، خطر لي أن أزورها .قلت لو فعلت فالزيارة قد تترك في نفسي أثراً (ذكرى جديدة ) قد تكون حلوة حتى إذا حدث ما أخشاه وجدت في رأسي صورة لها تبكّيني ، لكني أعرف لسانها الذي سيسائلني عن القطيعة الطويلة ثم الزيارة العجيبة في وقت كهذا و بزي المدرسة . 
في البيت حاصرتني فكرة موتها القادم أكثر ، ما قدرت أن أنام ولا أن آكل .مرة أهش الهواجس عني ومرة استسلم ؛ أتخيل كل ما يمكن أن يحدث إن هي ماتت ،وكل ما قد أفعله :أبكي ،أصمت ، أهرب ….
من بين ذا كله انبجس بصدري شيء يشبه تأنيب الضمير ؛كيف أفكر فيها بهذه الطريقة ؟ وكيف أميتها ولا أبكي ؟
يبدو أني أنا أيضاً: <> 
أتساءل الآن :من يمكن أن يساعدني ؟ لمن ألجأ ؟ أمي أو أبي ؟ لن يفهماني .. أوضاعهما أفضل ؛ أمي تحسن البكاء متى أرادت ، ربما لديها دائما ما يبكيها ، ولا مشكلة أيضاً عند أبي ؛ الرجال غير مطالبين بالبكاء بل إن صمتهم يحسب لهم تجلداً !!
أشعر بصداع شديد . أحاول النوم مقسمة أني متى تزوجت وأنجبت أن أربي أولادي على حب أقاربهم حتى لا يأتي عليهم يوم كيومي هذا .
نمت نومات متقطعة ، كل مرة يوقظني حلم غريب .
مرت أيام ونسيت ذا كله ، ثم في مروري المتجدد ببيتها انتبهت اليوم لكثرة السيارات الرابضة حوله ، اغتممت ، حصل المحذور .
حاولت استجلاب دموعي قبل أن أصل منزلنا وكما خشيت لم تنزل دمعة واحدة .
استرجعت مواقف عديدة موجعة فجفت محاجري أكثر .
أخيراً تخيلت أني أنا الميتة ، على أول شارعنا بدأت تباشير غصة في حلقي ، كادت فرحتي بها تُطيّرها لولا ستر الله .
وأنا أدفع بابنا الموارب سبحت كل الصور في عيني في دمعة كبيرة أسلمتها خدي ولم أمسحها خوف ألا أقدر على غيرها .
أعانق أمي وأنشج ، تنفضني : ما بك ؟ 
– ماتت عمتي.
خلتني وجمدت في مكانها ،أهي تستعيد موقفاً لتبكي؟ 
كأنما أغضبها ألاّ دموعَ لديها حاضرة فعادت تشدني : أمتأكدة أنت ؟ من قال لك ؟
– من قال لي ؟! ما أحد ..أما ماتت ؟ أنا شاهدت سيارات كثيرة عند بيتها و…
أجرت أمي اتصالاً سريعاً ثم رجعت ومسحت رأسي :لا تقلقي إنها بخير .
ضمتني فبكيت وفي غرفتي غضبت .
لأشهر تالية ظلت أمي ترجّـع الحكاية في كل الآذان التي تعرف تستشهد بها على رهافة إحساسي وحبي لتيك .
قبل شهر ماتت فعلاً ،في عزائها تذكرت أشياء أبكتني ولما انقضت أيامه اعتكفت في حجرتي أياماً أخرى أبكي .
اليوم وأمي تكرر القصة القديمة تضيف إليها حديثاً وصفياً لحالي أيام العزاء وبعدها وتؤكد كل مرة على رهافة إحساسي وحبي المتفرد للراحلة .


١٩٩٩م
من مجموعتي القصصية ” وحدي في البيت”

وأعدتها نشرها في منتدى شظايا أدبية

http://www.shathaaya.com/vb/showthread.php?t=15596

هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *