ثلاث شقيقات وابنهن. بيتهن الذي لم يرمم مرة مذ جف اسمنته يتوسط الحي القديم.
البيت هادئ، وجدول زيارات الشقيقات صارم كفتحات ثيابهن متقشف مثل زينتهن.
أحاديثهن محسوبة وصلواتهن لا تحصى.
طبعهن التبسم، أما الضحكات – إن انفلتت – فلها إيقاع ثابت كثلاث خطوات عجلى على سلم شديد الانحدار.
ثلاث شقيقات كثلاث بيضات منسية في ثلاجة شقة مفروشة. جينات أمهن وسمتهن بدرجة لون وتدويرة وجه واحدة. أما طول العشرة فتكفل بالباقي: أطولهن بدأت هشاشة العظام تنخر هيلكها، وأنحفهن انتبهت أنها لم تعد كذلك حين صار ولدهن يأخذ للخياط قطعة قماش وافية ومقاس واحد ليصنع منه ثلاثة أردية متطابقة، وأكثرهن شعرا لم تعد كذلك.
الأمر الوحيد الذي يفرقهن كان الرجل؛ يفرقهن في غيابه أكثر مما باعدهن حضوره في شبابهن الغابر.
أكبرهن تزوجت طفلة، بقيت أشهرا مع زوجها الأول وطلقها. قبل أن تعي ما حصل قرنها أبوها بثانٍ، فثالث، ورابع.. كانت مسافرة قليلة الزاد تعاد للمحطة كلما خرجت منها، واستمر ذلك حتى مات الوالد.
الوسطى تزوجت في الوقت الذي بدأت تصاحب مرآتها وتضيق الفساتين التي تفصلها أمها واسعة.
كان زواجا فاشلا، سمع العروسان خشخشة ورقة الطلاق في ليلتهما الأولى. ورغم كونه محتوما فقد خشي البائسان اتخاذه. ظلت تنتظر كلمته ويرجو هروبها.
لن أسمي من اتخذ القرار فلا تفاضل في خطوة تأخرت سبع سنين.
أصغرهن لم يمسسها رجل. حين بلغت الأربعين بدا غياب بصمته جليا في مشيتها، رائحة جسمها التي غدت تشبه الأرز المنقوع، وفي صوتها منزوع الصدى.
تزن نفسها فتجدها أقل من كل النساء وعطف أختيها يذكرها كلما تناست.
حين تلاشت أشباح الرجال من ألسنتهن تواترت رحلات القرب من الله.
كل عام مع هلال رمضان يجمعن حاجات قليلة والكثير من التمر والقهوة ويغادرن البيت والحي والبلدة.
يذهبن لمكة، ويقمن في أقرب شقة ممكنة من بيت الله.
غدت المدينة المقدسة الحدث الوحيد في بيت الثلاث. حتى أحداث بلدتهن القليلة يربطنها بالكعبة: ” كان هذا قبل أيام من عمرتنا التي نزلنا فيها شقة في العزيزة.. حصل ذلك بعد شهر من عودتنا من شقة أجياد”
هذا العام تزوج ولدهن وغادر البيت. أقنعن أنفسهن بأنه القرار السليم. الحجج الكثيرة تصرمت على ألسنتهن وفي قلب أمه.
في جوف الليل تبكي بلا صوت، ولن تلحظ الشقيقتان إلا أنها – في الثلث الأخير من الليل – ودون منبه ستكون على سجادة لا تطويها ولا تسلمها جبينها.
٧ أبريل ٢٠١٨
لغة شاعرية…وتكثيف حاذق..لصور واقعية…ومؤسفة.
أسئلة تلوح بعد القراءة…من المسئول..عن هذه المصائر الحزينة؟؟..وهل تعبر عن مجتمع..أو أنها معزولة؟؟ وهل من سبيل للتغيير؟؟؟
شاكر صبرك…واعجبني قلمك
أهلا إبراهيم
وأعتذر جدا لتأخر ردي
يشغلني الهامشيون ومن لا ينشغل بهم تاريخ ولا إعلام
يهمني أن أعطي أصواتهم مساحة ما
وأجتهد – اجتهادا يخطئ ويصيب – في ألا أحشو أفواههم بكلماتي
🌹
سعيدة بتواصلك وممتنة لكلماتك
ام الولد هي اللي تزوجت مرات كثييرة
حلو سردك وحلوة الحبكة
ههههه اتكلم زي المثقفين