السبب الثاني: الأسر المنتجة – التي تعرفها – تتواصل مع عملائها عبر انستقرام وسناب شات، واشتراك أم فهد بباقة النت انتهى ولا تستطيع تجديده الآن.
السبب الثالث: أم فهد مضطرة ” مؤقتا ” للانتقال لبيت أختها أم خالد. بعد موت جدتها ( آخر الخيوط التي تربطها ببيت المزرعة في طرف البلدة ) ليس مقبولا أن تعيش وحدها.
هذا الانتقال أجبر أم فهد أن تترك مواعينها؛ فلن يرحب بها مطبخ أم خالد، وفرنها ” التعبان ” لن يتحمل قدرين كبيرين في نفس الوقت.
السبب الرابع: أم فهد تركت الجامعة ” بالضبط” قبل محاضرة ” كيفية عمل دراسة جدوى لمشروع”
لن أبرر لكم هذا التوقيت العجيب فأنا الكاتبة ويحق لي صنع مفارقة واحدة على الأقل في أي نص.
وسأغامر أكثر وأقول إنها لو حضرت هذا الدرس ما نفعها؛ فالشابة لا تمتلك أي مهارات حسابية؛ كانت تفشل دائما في توزيع مكافأتها الدراسية على الجيوب والأفواه الخاوية لعائلة النخيل.
السبب الخامس: ماكينة الخياطة.
وسأشدد على أن الماكينة آخر طعنات معركة التعليم وأم فهد.
كي لا تبدو أقل من زميلاتها ظلت أم فهد تستعير ملابس الصديقات والجارات وعطورهن. تذهب متعطرة وتعود للبيت برائحة البصل والثوم. صبرت على ذلك صدقوني، وتحملت معه صعوبة الدروس وصعف النتائج، ثم أعلنت أستاذة التفصيل – دون سابق إنذار- أن الجزء النظري انتهى وسليه التطبيق ” وعلى كل واحدة منذ الغد أن تجلب ماكينة خياطة بمواصفات محددة ”
السبب السادس : أم فهد كانت ستدرس التمريض لا التفصيل والطبخ، لكن أباها بعد تخرجها من الثانوية أصيب بناسور أقعده عن الذهاب بأوراقها للكلية في المدينة المجاورة.
كانت أيام التقديم تذوي وناسوره يتقيح. وكلما وجدت لطلبها منفذا بين أنات الوالد تكلمت، وكلما نطقت التفت من على عرش الوسائد وقال: ممرضة هاه؟! تعالي اشفي عصعصي لنتأكد من مهارتك قبل أن يتورط بك خلق الله.
مات الأب بعد سنة لسبب آخر، ومات ناسوره وكلية التمريض.
السبب السابع: وفاة أمها قبل أن تتم أم فهد المرحلة المتوسطة. وجدت الصبية في معلمة الاقتصاد أما أفضل ( تثني عليها ولم يكن أحد يفعل في بيت ولا في مدرسة )
غدت الأستاذة بطلة أحلام يقظة اليتيمة: هي أمها مرة، ومرة تكون أختها المسؤولة عن رعايتها، ومرات لا تربطها باليتيمة صلة رحم لكنها تقرر أن تتبناها.
ينتهي ذلك كله حين تنتقل المعلمة للرياض. ناحت أم فهد شهرًا، خططت لهروب كبير يعيدها إلى جنة حاميتها شهرين ثم نسيت الأمر. لو لم تنس لفهمت – حين ضاع حلم التمريض – لم زجت بنفسها في تخصص الاقتصاد.
السبب الثامن: حُسّاد أم فهد على المشروع. ما إن كشفوا سر نارها التي لا تنطفئ والسواق الغريب المتردد على بيتها حتى خربّ عجينها، لم يعد يتماسك مهما غيرت نوع الطحين وكمية الماء. ثم استقرت سهام الحساد في معصمها.
كي لا تشككوا في كلامي سأحلف أيمانا مغلظة أن رسغها برئ تماما عندما توقفت عن استقبال الطلبات.
السبب التاسع: أم فهد لم تتزوج. فهد وأبوه اسمان صاغتهما عند بدء المشروع؛ فقد لاحظت أن لكل امرأة منتجة كنية فاضطرت لسك هذه.
ربما لو لم تكبر على أحلام اليقظة لنسجت في ساعات سهادها – في مقلّط أم خالد – تفاصيل أحداث متخيلة لحياتها مع فهد وأبيه، أو مع غيرهما.
١ يناير ٢٠١٨