< الإدارات العربية تتحكم في أتباعها بشعرة معاوية. لا تعطيهم كل ما يطلبون، ولا تشدها كل الشد، اسمع ما يجأرون به، ثم لا يهم إن أعطيتهم فرضاً أو نافلة في حقوقهم، الأهم ألا تكون جواداً فيركبوك، ولا يابساً فتكسر في الربيع. غير أن شعرة سعودية ستلهينا حيناً من الدهر، أعني شعرة صالح. عند موازنة الشعرتين ترجح شعرة المرأة، فالمرأة في بلدنا ملكة، والمُلك أهم من السياسة والحكم.
أشغلتني الشعرة عن مبحث”مفاتحه تنوء بالعصبة أولي القوة”، فمع قرار تأنيث محال المستلزمات النسائية غردت مرات في تويتر عن تقنين علاقة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه كما ترد في كتاب الله الحكيم. كنت شبه متيقنة أن الشحن الحاصل بين من يحلل ومن يحرم ستضار به المرأة عمداً أو عادة، وجاءت”الهيئة”بمكة سباقة باقتياد عاملة في محل”بحجة التبرج والسفور”.لا تثريب على الهيئة”فهي بحسب مهامها ولائحتها التنظيمية شبه مختصة في شؤون المرأة .
أعود لشعرات النساء في ملتقى المثقفين التي جزم صالح أن ما ظهر منها”مخالفة شرعية”وأعقدها بناصية عاملة مكة.
في العرف السعودي الأصل التحريم حتى يفتي بالتحليل شيخ. أما وقد حللت الحكومة للمرأة أن تترك البسطة وتعمل في محل كشقيقها الرجل، فينبغي التعجيل بتشريع أصول التعامل مهنياً بين الجنسين، وسن ما يحمي من التحرش وإخوانه ومظانه.
كنت سأكتب في هذا الشأن، ولكن حديثاً وحادثة جعلاني أتساءل إن كنا نتفق على تعريف التبرج والسفور. ينبغي أن نحدد ما يليق من لباسها لتمرق المرأة سوية تحت حديد بصر مجتمع نسى”قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم”النور 30، القرآن الكريم اكتفى بإشارات لأجزاء من لباس المرأة”الجلابيب والخمار والجيوب”بقوله”يدنين عليهن من جلابيبهن”الأحزاب 59، ومن سيفهم الجلباب جزءاً ملزماً من اللباس ستربكه بقية الآية،”ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين”. فالجلباب بحسب الآية تمييز بين الحرة والمملوكة، حتى لا يتعرض ذكر لعفيفة ذلك كان في زمن الرق فهدف الجلباب لا الستر بل تفريق الحرائر عن المملوكات بعضهن يعرضها سيدها للبغاء!
أما الجيب في”وليضربن بخمرهن على جيوبهن”النور 31 فإنه فتحة، والفتحة الأشهر في ثوب المرأة فتـحة الصدر، ولعل المعنى يشــمل أي فتحة لأن المــلابس الــداخلية لم تكن معروفة، فأي فتحة عند حـركتها قد تظـهر عوراتها.
لكني أرجح فتحة الصدر لأن الخمار قماش تضعه المرأة على كتفها المسفع عند البدو، بخلاف هذه التفصيلات لن يجد منقب عن ظفر امرأة إلا توجيهات عامة في الستر.”ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها”وسأفرد مقالاً للزينة بإذن الله،”ولا يضربن بأرجلهن فيعلم ما يخفين من زينتهن”النور 31 التمثيل لبعض من يجوز إظهار الزينة عنده.
الاستئذان عند دخول المنازل والمنافع. أوقات النهي عن دخول غرف نوم الآخرين”ثلاث عورات لكم”النور 58. هدف التوجيهات كافة التأسيس لعلاقات إنسانية سليمة، بعيدة عما قد يساء فهمه ويعتبر مراودة.
وهي توجيهات مشتركة للجنسين، كالتشديد في عقوبة قذف المحصنات الغافلات، والزنا، ومحاولته، واللعان، ولا أبرئ هنا المرأة فمقابل حادثة الإفك في القرآن هناك حكاية امرأة العزيز تراود يوسف عليه السلام عن نفسه، ولعلي أستفيد منها في حديث تشريع أنظمة العمل فيما يخص تحرش رئيس بمرؤوس.
أين شعرة صالح؟ لا وجود لها إلا في حديث آحاد يسند لعائشة رضي الله عنها في سنن أبي داوود بروايات مختلفة وسلاسل رواة فيها من المشكلات ما فيها، ولم يرد في الصحيحين.
وأرجو ألا يحاج أحد بحكاية الأغربة السود فالحديث يصف نساء الأنصار”كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة”.
أما وقد أسدل المفسرون والفقهاء الغراب من الرأس لأخمص القدم ليخفي الجسد كله فذلك ما لم يقله الحديث. وسأوافق صالحاً في أمر واحد هو أن ما يلبس في الرياض يختلف عما يلبس في غيرها، فالستر نسبي، وميزانه اجتماعي.
أما القرآن العظيم فيورد ما يؤطره بإطار عالمي إنساني للرجل وللمرأة، وحاشاه أن يعتبر المرأة وعاء شهوة وموضع فتنة. فالأصل أن”الله لا ينظر إلى صوركم”.
جريدة الحياة