تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » (روحها الموشومة به) رواية عميقة الدلالة،وذات قضيّة مفتوحة على الأسئلة

(روحها الموشومة به) رواية عميقة الدلالة،وذات قضيّة مفتوحة على الأسئلة

عرض عام

تطل علينا رواية روحها الموشومة به،وفي ثناياها تتنبّأ ضمنيّا بتنامي السرد السعودي وتفرّعه عن الأنماط المعتادة،إلى آفاق سرد أوسع وأشدّ خصوصيّة في الوقت ذاته،فهي رواية نفسيّة ذكيّة،تجيد وسم عناصر الحبكة الرئيسية بعلامات رمزية شفيفة يمكنها أن تقودنا إلى تصوّر قريب جدا من رؤية الكاتبة.

إنها رواية تحكي وقوع المرأة السعودية،وبخاصة النجدية،تحت نيْر الرجل،وأنّ خلاصها من سلطنته لم يعد مرتبطا بخلاصها منه بالدرجة الأولى،بل بخلاصها منها هي،بعد كلّ هذا التعاقب الزمني من التبعيّة لسيادته.فبطلة القصّة فاقدة للقدرة على احتمال سطوة الرجل،وفي نفس الوقت فاقدة للقدرة على التخلّص منه،بل إنها ،في مرحلة متأخرة من تعلقها بآثار الرجل،تحاوِل أن تخترع وسيلة مبتكرة للتخلص منه،عن طريق محاولة التطهّر من ماضيه بأحلامها.

وتهمّش بطلة القصّة قدراتها،إذْ تقيدها في محبس المكايَدات الآنيّة،أثناء فقدانها لتصور ممكن لمفردات الحياة التي تتمنّاها مع الرجل،ربّما لغياب الرجل الذي تمكن معايشته،وبفقدان القدرة على التعايش تصبح قيمة البحث عن رجل قيمةً مغلوطة هي أقرب ما تكون إلى البحث عن وهم. وتجيد الكاتبة التنقّل المتكافئ بين الرجال/الخيبات، بدءا من الزوج/ المشروع القادم من أعلى. ومرورا بتجربة العاشق المثقّف/الثور الهمجي الشهواني الذي يغطي وجهه الحقيقي بقناع مترهل من الثقافة.وانتهاءً بأنّ حتى مظاهر المثالية في الرجل غير مأمونة الجانب،فهي تنبئ بانحراف متطرّف أقربَ إلى الراديكاليّ الذي يستمدّ أهم متطلبات بقائه بنفي الغير،وبالتالي فإنّ بوادر التغيّر إلى المثاليّة بوادر لا تقلّ خطورة عن غيرها فيما يتعلّق بالتنبؤ بفقدان الرجل عمّا قريب.

ويُغلق الباب المفتوح للتطهر من الماضي والخلاص من أعبائه،بأنْ تبدأ وسائل الخلاص منه بالتململ والانسحاب تباعا،فالأحلام ذاتُها،تصبح ثقيلة،مغلقة،كسيحة،وأداةُ تحريكها(الطبيبة النفسية)تتململ،وتدرك بنفسها أنه حان للعبة الأحلام أن تنتهي وحان للقناع أن ينكشف،ولو كان الثمن احتراق المرأة أسى ويأسا،والحكم عليها مؤبدا بأنها موشومة بميلها الأزليّ إلى الرجل،وأنّها لن تجد الخلاص من هذا الميل،وستظلّ شقيّة بغياب القدرة على التعايش معه،ولو أنّ تركها له كان ناتجا عن ثورة لكرامتها ورفع الظلم المتربص بها.

بيئة الرواية نفسية

بيئة الرواية في غالبها بيئة نفسيّة داخلية،تحاول قراءة الواقع من خلال الأحلام،وتحاول أنْ تمنح تفاصيل الحديث النسائيّ متعة المغامرات الميلو درامية،وفي اعتقادي أنّ الكاتبة وفّقت إلى حد بعيد في محاولتها،وأنّه من الممكن أن يراهن الأدب السعودي بها على القدرة على تبهير الوقائع الاعتياديّة وهجا ملحميّا.لماذا؟ لأسباب أعتقد أن أبرزها هو القدرة على التنويع في السرد،وعلى التنقل بين الأزمنة في ومعاقبتها زمنا إثر زمن في جمل حوار متصلة،لاختصار مساحة الحكاية وتكثيف تأثيرات الحوار،والعناية في أثناء السرد باقتناص الوقفات المتأملة في المواضع التي تستدعي وقفات شعريّة أو نفسيّة،وأخيرا وليس آخرا (وهو المهم) بمناقشتها لشتى الفلسفات التي تقترحها البيئة أو المنطق أو الثقافة،من خلال تطوّرات نفسيّة وحدثيّة تربط بينها العلاقة المتينة بين السبب ومسببه،وهذا من أجمل ما اعتنت به الرواية واكتسبت به هيبتها: التكافؤ بين معطيات الأحداث والتطورات النفسية وبين مخرجاتها.

حضور الطبيعة كان خجولا

وفي الحضور النادر للطبيعة في الرواية نرى أنّها تلقى الاهتمام اللائق بها من التأمل ومن الربط الذي يبرز أنّ ثمة إجادة سردية تهدف إلى صنع تماهٍ بين الطبيعة والتاريخ الشخصي،مما يجعل القارئ يقر بشفافيتها وعمقها،نجد ذلك جليا في مثالين: مثال قراءة وجوه الماضي والتاريخ الشخصي في حادث المطر بأبها: 

– (في القطرات المنحدرة تحت رجلي أرى زوجي السابق ، وبطاقة عرسه الجديد ، أرى لحية ماجد ، وقارورة خمره ، وأرى ألسنةً سوداً تغرق في الوحل).

وأيضا في حادثة الدفتر الذي رسمت على غلافه غابة: 

– (على وجه الدفتر صورة لغابة طبيعية لم تر من البشر إلا عين المصور ، وخلفيته الغابة ذاتها كابية اللون وقد امتصت كاميرا مسعورة روح اللون منها .

في صفحته الأولى كتبت : حتى كائنات الطبيعة يمكن مسخها ، لتكون الشيء وصورته السالبة…هكذا نحن أيضاً.).

ثلاث ملحوظات عارضة:

1

لكثير من تطورات نفسية البطلة ومخرجاتها منبثّة عن تفسيرات الأحلام.المتعارف عليه حتى عند أهل علم النفس،أنّ الأحلام لا تحمل رموزها القريبة،ومأخذي على الكاتبة أن بعض هذه الأحلام لا يشبه حُلْما بذلك المعنى المذكور،بل هو قريب إلى أن يكون استعارة لفظيّة أو إيماء مقصودا،مثل حلم الجوهرة وحلم الدخان.

2

لغة الرواية راقية وسليمة نحوا وصرفا وأسلوبا،ولكن يعتريها شيء من التأنق يصل في بعض المقاطع إلى ما يشبه محاولة للتوليد أو الاشتقاق،أو البحث الممضّ عن بدائل لفظية للعبارات المألوفة.

3

كان يجب أن تتأكد الكاتبة من دقّة النقل لبعض الأبيات والاقتباسات التي نقلتها،فبعضها جاء نقلُه غير مطابق للأصل،ويمكن للكاتبة أن تجيب،بأن هذا مطابق لواقع السرد،فالبطلة تروي من ذاكرتها،وهذا تخلّص جيد وفي محله،ويدل على ذكاء وحدس،ولكن يجب الإشارة إلى الأبيات والمقاطع الغنائية التي لم تنقلها من أصولها كما هي.

مسك الختام:

بهذا نرى أنّ الرواية (روحها الموشومة به) رواية عميقة الدلالة،وذات قضيّة مفتوحة على الأسئلة،وأبرز ما يميّزها هو تقنيتها السرديّة التي أعتقد وبزعمي،أنها علامة فارقة في السرد السعودي ككل،وأنها تبزّ كل مستويات السرد النسائي -إن صح التعبير- في السعودية.
الكاتب السعودي عبدالواحد الأنصاري
موقع جسد الثقافة
٣١-٥-٢٠٠٤م

http://aljsad.org/showthread.php?t=31044

هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *