– تدري ذا ما هو بأول ندمي على مرافقتك .. أنا منذ أن ركبت معك في ذا الطلعة المشؤومة وأنا أتعجب مني كيف صاحبتك ؟!
= حسبتها زين وعرفت أنها أحسن من قعدتك بين الحريم بعدما أخذوا منك السيارة آخر مرة.
– معك حق.. أنا كنت مضطراً .. ليتني أطعت أمي.. دايما كانت تحذرني منك.. تقول ” ما يجي بخير “
= أمي أنا ما تقول شيئاً .. دارية أني ما أسمع.
– ظميان.. أبغي ماء.
= أما نهيتك عن ترديد ذي الكلمة؟!
– ما أنت بظميان مثلي؟
= أنا أتناسى، أنت أيضاً فكّر في أشياء ثانية.
– يوم كنت صغير كنت أتمنى أصير عسكرياً، وأبي كان يريدني مدرّساً؛ يقول ” العسكري كل يوم في ديرة”
= هو أبوك ما يدري إن وجهك ما يليق بذي ولا ذيك؟!
– أنا آخر مرة قلت له هذا الحكي، وصدّقت نفسي وإلا لما كنت ماشيت أمثالك.
= اسمع.. خلنا نرجع للغار قبل أن ترتفع الشمس ونهلك.
– ليتها.. كنا ارتحنا.
= نموت؟! لا أنا باقي لي عمر.. إن شاء الله .. سأتزوج ويجي لي عيال.. عشرة.. أربيهم أحسن من تربيتي، وأمهم أعاملها بأحسن مما عاملوا أمي، و..
– وما هو بحاصل.
= طيب! أذكّرك.. أنا سأدخل الغار وأنت يا وجه النحس قم جدد الرسم على الأرض.
– لا.. الريح تمحوه كل مرة قبل أن أتمه.
= إذاً نعلّق ثيابنا على شجرة حتى إذا مروا وهم يبحثون عنا يعرفون مكاننا.
– يكفي من ثيابي ما قطّعته لأقي رجليّ الرمضاء بعد أن تركنا أحذيتنا مثل المجانين عند السيارة أمس. الباقي من ثوبي خلّه يدفيني في الليل؛ أموت عطشاً ولا أموت من البرد.
= أنت خايف يا الصغير تقطّعه فتضربك أمك إذا رجعت لها به كذا.
– ياه يا زين أمي.. يا زين ضربها.. أينها؟ خذني لها.. تضربني وتحبسني حتى أنساك وأتوب.
= لا تبكِ.. أنت رجل .. قم ندخل الغار .. ويأتون – إن شاء الله – وترجع لأمك و.. تنساني.. أتنساني فعلاً ؟
– ما أدري.. يمكن.
= تعال ندخل ونتفاهم.
– ندخل؟! قل نزحف.. نحبو .. ما تشوف حالك ؟
= خلاص نحبو.. فقط لا ترفع صوتك قد نحتاجه إذا جاءوا.
– ما أحد يجيء.. إلى متى يبقى عندك أمل؟ من يهتم لو حتى نموت؟ من يعرف أنك ضايع في البر أو في داهية أخرى؟! لو تركتنا عند السيارة حين تعطلت كان يمكن.. لكنك يا “الدليلة” .. ليتني ما أطعتك .
= انشقت شفتك وطلع الدم، أدري أنه يوجع. أرجوك اسكت.
– ما عليك مني .. لا تغير الموضوع .. أنت كذا .. ما تعترف بخطأك.
= أهذه دمعة في عينك يا نويصر؟
– أنت – بعدُ – البارحة كنت تبكي، تحسبني نايم ما سمعت؟!
= اسمع .. كأنه صوت طيارة.
– أشر لها إن قدرت .
= لا سأجرّ نفسي لذيك الصخرة وأستند عليها حتى يروني.
– ستبعد الطيارة قبل ما تصلها ، وإن وصلت تشويك صخرتك قبل ينقذونك.
= راحت.. الطيارة راحت..
********
– تبكين على واحد ما يستاهل، وما عرفنا بعد إن كان قد صار له ما يوجب دموعك أو لا؟!
= قلبي قال لي ” فيه شيء”
– يا يمه .. ما هي بأول مرة يغيب فيها ما يقول لنا عن مكانه.
= أنا متأكدة .. هو راح للبر.. خايفة يكون..
********
– كم ممكننعيش بدون ماء؟
= يلقوننا .. أكيد..
– اليوم ثالث.
= بنعيش.
– أكرهك.
= وأنا بعد.
********
– متى لقوهم؟
= اليوم الصبح، وقالوا نصلي عليهم صلاة العصر .. ما كتب الله لهما حياة.. كانا قريبين من الديرة.
– لو استعجلوا في البحث عنهم..
= لا فائدة، كانا ميتين منذ خمسة أيام.
– صحبة السوء – الله يستر على عيالنا – هذي خاتمتها .
= تدري .. وجدوهما متيبسين وهما متعانقان.
١٩٩٩م
من مجموعتي القصصية “وحدي في البيت”