تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » جزء من رواية ” روحها الموشومة به “

جزء من رواية ” روحها الموشومة به “

قلت لها : ” أتريدين أن تكوني من أبطال الحرية ؟! أتعرفين أين هم الآن ؟ تماثيلهم في الشوارع ، أما هم فـقد ماتوا ( قُتلوا ).
هل هذا ما تريدينه لنفسك ؟! يا بنتي مذ بدأتِ التدريس قلتها لك كلمة لم تعيها وقتها : حين تهب الريح اخفضي رأسك حتى تمر ، لن يضيرك ذلك في شيء . وحدها الأعشاب الصغيرة تبقى بعد العاصفة .تذكري ذلك “
كنت أراها تشوه علاقتها مع مديرتها في المدرسة فلم أحتمل ، نسقت كلامي جيداً ، وحكيته لريم قبل مواجهتها هي به ، أردت أن أتلمس من خلالها ردودها المحتملة .
نعرف جميعاً أن لي عنق عادات وسمية أمر أقرب للاستحالة لكنني قررت أن أحاول ..
ناقشتني قليلاً وأنا ألقي درسي عليها ثم سكتت ..
خرجت مسروراً في تشكك كالعادة ، لكنها ( وكالعادة أيضاً ) قصفت عمر فرحتي ؛ سمعتها تحادث صديقة لها ، تروي لها ما دار في جلستنا ، ثم تقول : ذاك أبي وتلك كلماته القديمة ، يظل يأكل بها أذني آن كل غلطة ، ثم يسرد حكايات مقتطفة من سيرته لأخذ العظة ، أبي شبه الكامل في سلوكه أحبه ، و أكره صورة الرجل المثال التي يصر على أن يوشِّح بها سيرته ، أنفر من ذلك أكثر إن كان السياق انتقادات لسلوكياتي المصادمة للسُّلطة أنى كنت .
لم لا تشبهني الآن ؟! لم لا تشبه أخوتها ؟!
أحياناً أتذكر فورة شبابي فأقول : ربما حاولتْ فلم تستطع ، مراتٍ أومن أنها لم ترد بعد بالشكل الكافي .
اليوم عرفت أنها لا يمكن أن تريد..
**************
– اليوم يا مها قابلتْ زميلة لا أحتك بها كثيراً ، استعرضنا آخر مستجدات تجبر مديرتنا وما يجب أن نفعل ، قلت لها أني محبطة وأظن ألا مجال لفعل شيء ، فظلت تلك تتأملني ، ثم قالت : هناك حكاية أحكيها دوماً لطالباتي ، يقال أن فيلسوفاً سُئل ذات مرة ” هل تُغيِّر نقطةٌ مجرى النهر ؟ ” أتدرين بم أجاب ؟
بعد لحظات صمت تشويقي سألتني : لو كنت مكانه يا وسمية بم كنتِ تجيبين ؟ قولي لي يا مها ما ظنك أني أجبتها .
– بالتأكيد جاء الرد على مقاس أفكارك .
لم أعرف إن كان هذا مدحاً أو ذماً ، لكني تجاوزته لأن ما بعده أهم ، قلت لمها : بعد لحظة تفكير قلت ” بالنسبة للنقطة فيكفيها شرف المحاولة ، ثم .. مادامت واحدة قد استطاعت السير عكس الاتجاه فيمكن أن تلحقها نقاط أخرى كثيرة “
أما قلت لك أنك ستعبرين عن نفسك تماماً كما أنت ؛ الصدامية ، المخالفة ، ثم تلك الثالثة الجديدة الاستقلالية .
– أنت تعلمين أني اعتدتُ أن أشق الطرق لا أن أسير فيها .
– حسناً ، هل تقبلين نصيحة مني ؟
– لا تعادي امرأة تلقينها كل يوم ، لن تطيقي نتائج ذلك أعرفك .
**************
– جميلة صورة بطلة الحرية التي أسبغها أبوك عليك يا وسمية .
– هذا الجانب فيَّ لا يعرفه أحدٌ كما يعرفه أبي يا مها ، أكاد أجزم – رغم الصورة المسالمة التي يرسمها لسانه له – أنه حاول في زمان كنتُ فيه أصغر من أن أعيه أن يتصرف بما تمليه روح بطل الحرية ، وأكاد أجزم أنه لقي في ذاك الزمان ما يخاف أن ألقاه أنا ابنته وامتداده من ضرائب نشدان الحرية .
تقول ذلك وأفكر أنا فيه ، يبدو وجيهاً ، أريد أن أقول لها ذلك لكنها تسترسل : أحياناً حين ألجأ للدكتورة وقد أدخلت نفسي في مأزق جديد ألاحظ أنها أيضاً لا تريد لي دور بطلة الحرية ، فأقول أنه هاجس الأبوة والأمومة في الاثنين يريد لي السلامة ، لكني كل مرة لا أَسْلمُ ( لا أحاول )
أتذكر كلمتها عن والدها حين قالت أنه مريض بالألفة ، وأفكر أنها ربما مريضة بالاختلاف ..
هذه القوة غير الموجهة فيها أخاف منها وعليها ، وحين أحاول إقناعها بالعدول عن اندفاعها الذي أود لو أسميه تهوراً لا تغضب لكنها تقول بشموخ يبدو مضحكاً : هي إرادة الله ، مكتوب .
تقولها مشيرة لرواية ” ساحر الصحراء ” ثم تعود لتقص علي حكاية حلمها النبوءة كما تسميه .
تذكرُ برهبة ( غير متناسقة مع سيرتها ) تلك اليد الضخمة التي لا تشبه يداً بشرية تعرفها ، التي كأنما تنزل من السماء مفرجةً ما بين أصابعها ..
ولا تنسى أن تذكرني أنها نزلت في ليلة عصيبة ، هلهلت فيها شباكاً أحاطها بها السيئون الموترون من عدالتها .
أكاد أكمل عنها فأقول : ” وأخبرتِ الدكتورة بالحلم فأمرتك أن تقتربي منها وتسأليها عما تريد ثم تنامين ، دون أن تلمسيها لأنك ودكتورتك لا تدريان بعد أخيرٌ هي أم شر ؟ “
أود أن أفعل ، لكني أحبها ، ولا أحب أن أغضبها ..
أتابع عينها المرتفعة صوب زاوية رأسها اليسرى وهي تهبط قليلاً لتتجه صوب أذنها مستخرجة كلمات دكتورتها : من قال أن عصر المعجزات انتهى ؟! تلك يد سماوية يا وسمية ..
ورغم اعتيادي المشهد كله إلا أنها تفاجئني كل مرة بصوتها وهو يعلو مردداً ” يد سماوية لوسمية “
أبتسم ، أهز رأسي مبددة نبوءتي السوداء ( تمثال غامض لامرأة أظنني أعرفها في أحد ميادين بلدنا )
كل مرة يقرر فيها دور بطل الحرية أن يلعبها يغرر بها بفكرة النقطة المتفردة التي تسير عكس اتجاه مجرى النهر ، أحياناً يطمئنها بأن تلك اليد ستهبط مرة أخرى لتنقذها ، تاركة أمر حساب النتائج إلى حين تهطل .
الأسوأ أنها أحياناً تورط معها غيرها .
قالت مرة وهي تغرر بأخرى : التغيير ابن الروح الجماعية وإن كانت شرارته فردية .
أقول لها حذر أن تلتفت لي : دعي عنك من لا يريد أن يفعل ، فتتحمس أكثر ، تهتف : آن كل مغامرة لا أريد أن أحرم من حولي لذة إزالة قشرة الرماد عن فوهات مكامن القدرة فيهم ، طاقة التمرد تكاد تكون الوحيدة بين طاقاتي التي لا يحتملها جسدي وحده ، وسواء أذنتُ أم لا فهو في كل مناسبة يبثها في كل جسد يدانيه .
****************
فيم لم تشبه سعوداً بعد ؟ في التركيز على الهدف ، والبعد عن المعارك الجانبية أو المعروف حجم خسائرها مسبقاً ، رغم حلم السيارة المجنونة التي تحلت ببعض العقل مؤخراً إلا أنها لازالت تلك التي تنطح كل جمل في الطريق مقتنعة أنها أقوى منه .
فيم يشبهها سعود ؟ الاستقلالية التي لا زالت تنشد المزيد منها .. مساكين أهلها لو كنتُ ولداً لكانت المصيبة أهون ، لو كانت الديرة أخرى لكانت المصيبة أهون .. مساكين أهلها ؛ كم من المتاعب ستسببها لهم جرياً وراء الانعتاق !! مساكينٌ ..
**************
بعينيه المفتوحتين على اتساعهما سروراً أبدياً ، وشعره الأبيض الذي لم يفلح في تغطية عمره الصغير ، وخديه الأحمرين ، وحاجبيه المقوسين بشقاوة حبيبة ، بثوبه المرقش وقبعته العالية التي هي حديقة الألوان كلها ،بيديه الصغيرتين واحدة ممتدة لي لتسلمني راحتها ، والثانية من مجلسه الذي لا يفارقه على مكتبي جنوباً صوب مقر عملي تشير فيما يردد كله : تفضلي إلى قلب علياء ، وأهمس له حتى لا يسمعنا أحد : عساه مكاني أبداً يا زاهي .
هي أهدتني إياه ، لم يكن قد مضى على معرفتي بها أكثر من ثلاثة أشهر ،كانت علاقتنا فيها تتوثق بصورة سريعة جداً .
قبلها بأيامٍ كنت أحدثها عن صديقةٍ قديمة فقلت إني دوماً أفسد علاقاتي الجميلة .
كانت هذه كلماتٍ مطمئنةً لها جداً !
صمتنا كلتانا بعدها، ثم عوضاً عن أن أصحح غلطتي انبريتُ قائلة : الله يستر !
بسرعة هتفتْ : كنتُ سأقولها ..
لفنا الصمت أخرى حتى قالت ضاحكة : ولكن لماذا ” الله يستر ” ؟
لمست في سؤالها رغبتها في أن تستدرجني لاعترافٍ أولٍ بمكانتها في نفسي ، ولأني مدينة لها بأكثر من اعتراف قلت في محاولةٍ لمحو خطيئتي السابقة : لأن هناك علاقة جديدة جميلة تتشكّل وأخاف أن أفسدها .
بشقاوتها التي أحب قالت : إذاً احرصي على ألا تفـعلي ..
ليلة رأس السنة الهجرية الجديدة قالت لي : غداً منذ الصباح تأتينني في مكتبي .. سأنتظرك .
من السيارة أهبط وأنا أستعيدني تفاصيل حركتي خلال الدقائق الخمس التالية قبل مكتبها علني ألتقط خطوة مطولة فأختصرها ، كنت حريصة على أن أكون – كما وعدتها البارحة – الأولى في مكتبها الذي يزدحم منذ الصباح بالجميع ، أدخل الغرفة وابتسامتها الحبيبة تلقاني ، تأخذ يدي بيديها معلنة أنها دخلت مغمضة العينين حتى يكون وجهي أول وجه تراه مطلع العام .
من ذا البعد أتساءل : هل كان وجه سعدٍ عليها وجهي ؟ لولا خوفي من إجابة تؤلمني بصدقها أو تجرحني بمجاملتها لسألتها..
ذاك الصباح من تحت مكتبها أخرجتْ الجميل الصغير ، أرجحته في الهواء ممسكةً بقبعته المخروطية ، مدتني به فتلقفته بيدي الاثنتين ، أتأمله وألملم أطراف لساني لأجد ما أعبر به عن امتناني .
يهرب حرفي المناسباتي فلا يسعفني غير سؤال ربما كانت هي تنتظره ، قلتُ : إلام تشير يده هذه الممدودة ؟
نظرت في عيني وقالت : تقول تفضلي إلى قلب علياء .
أرتبك فتسألني : ماذا نسميه ؟
* ماذا نسميه ؟ هذا الصغير الزاهي .. ماذا نسميه ؟
وضعت يدها على كتفي وهتفتْ بغبطة : زاهي .
زاهيها / زاهيّ / زاهينا زهـى في بالي لما قالت الدكتورة أن عالم الروح يحب الرموز وأن علي أن أجعل للولد الذي حررته ( تقصد مطيراً ) رمزاً عندي وأحسن معاملته ؛ أكلمه وأطلب منه أن يدعو أخوته الباقين للخروج .
أحكي للدكتورة عن زاهي ، أصفه بسرعة وأسألها إن كان ينفع أن أجلب واحداً يشبهه ليكون الرمز الذي تتحدث عنه فترحب ..
في السوق أبحث عنه ، و أُعِدُّ له لساني المجنون .
وفي البيت أنظر للمهرجين الصغيرين الذيْـن جلبتهما ، أرفع أخضرهما وأقول : أنت مطير ، والثاني سيسمي نفسه حينما يخرج من الدايرة .
**************
ريم تتفحص الصغيرين الملونين ، وتسألني : مادام قد خرج واحدٌ من ” جنك ” فلماذا أحضرت مهرجين لا واحداً ؟!
– لأني أتوقع خروج الثاني سريعاً فأريد أن تكون صورته المجسدة أمامي حتى إذا أراد أن يجيء لا تظل روحه تحوم في المكان ما تلقى جسداً تحل فيه .
أصد عنها وأنتظر خروج صغيري الذي لم أحدد بعد مشاعري تجاهه . أناجي الأول :” غداً يا مطير حين يخرج كل رفاقك سأغدو أجمل “
أقعده على راحتي وأضع عيني في عينه : ” مطير هل أنت حقاً – كما قالوا – جني ؟
أتدري .. كلما يتكلمون في مجتمعي عن الجن أحسه عالماً مبهراً لشدة غموضه . أحياناً أشك في كل الروايات التي تحكي عمن يتلبسهم الجن .. حتى حين أُصدّق أصدّق بحذر ، ثم أرجع لعقلي وأردد : لم أرَ شيئاً بعيني إذن لا شيء قاطع في هذا الشأن .
بعض السود في المدرسة (حين كنت طالبة ) كانت الزميلات يتهامسن أنّ فيهن جناً ، البعض ( حين أنا معلمة ) يحكين عن قريباتهن المسكونات ، لكنَّ واحدةً لم تقل ذلك عن نفسها ..
مراتٍ أتمنى _ لو على سبيل التجربة _ أنْ أُحسُّ لمرة واحدة فـقط بهم ..
أُومئ إلى ” ليلة الجن ” التي حكت لنا أمي عنها فينفض مطير رأسه المخروطي مستفهماً : ما قصة ليلة الجن ؟ أجلسه على طرف سريري . أداعب أنفه الأفطس وأبدأ روايتي :
“حين كنا صغاراً كانت أمي في أماسي الصيف تروي لنا الحكاية التي لا نملها تقول : ” كانت جارتنا معروفة بكونها مسكونة ، لم أكن أخافها، ولم ألاحظ عليها شيئاً غريباً إلا تلك الليلة لما ذهبنا نسقي .
على البئر صارت تضحك وترش الماء على الزاوية الغامقة منه وتسب شخصاً لا أراه . ثم حملنا قدورنا وسرنا ، في الطريق كان يبدو أن هناك من يهز قدرها فوق رأسها . كان الماء يتناثر رغم محاولاتها منع ذلك ، ثم فجأة ظهر مخلوق أسود صغير شكله بين شكل القط والقرد ، وصار يتدحرج أمامها حتى وصلنا بيتنا ، بدا لي أنه جنيها يعابثها .
خفت وصرت أستحث رجليَّ التي ثقلت من الرعب لنصل ، لكنا لما دخلنا منـزلنا طلبت المرأة من أمي أن تجعلني أنام عندها تلك الليلة لأن زوجها مسافر وهي خائفة ، لم تخبر أمي ، وأنا خفت أن أفعل فينتقم مني جنِّيها .
أمي أمرتني أن أرافـقها . لم أجد بداً من الامتثال فاشترطتُ أن يذهب شقيقي الأصغر معي .
كانت ليلة طلع فجرها ولم يغمض لي جفن .جنيها انتظرنا بوجهه القط عند باب بيتها . دخلنا إحدى الغرف بسرعة وأغلقنا الباب ، مواؤه الزئير شلَّني من الرعب ، فيما كانت المرأة نائمة أو تتظاهر بذلك “
هذه حكاية أمي والجن يا مطير .على كلٍّ في ذاك الوقت كانت طـفلة ، وربما ضخم خيالها القصة .
أتدري .. أحياناً يجرفني فضولي المجنون فأصرح برغبتي في مشاهدتهم ( الجن ) أقول ذلك في التجمعات الكبيرة علّ جنياً يسترق السمع فيشاكسني من باب إثبات الوجود ..لكنهم والحمد لله لم يفعلوا..
المعتم أكثر في الموضوع حديثهم عن المتاعب التي يسببها الجني لقرينه ، كلامهم يلقي في خاطري بظلالٍ جنسية لا أعيها وأخجل أن أسأل عنها .
بعد أن أعيد مطير لمجلسه ، أتذكر حكاية لا أحكيها له ، لأني لا أدري إن كان من جنٍّ في أبطالها أم لا ، قبله بعامين قرأتُ مقالة للدكتورة منال عن فتاة مأزومة يبدو أن لها هواجس انتحارية ختمت الدكتورة كلامها فيها بالحديث عن أحلام البنت ، كانت ترى رؤوساً مقطوعة .
– أنا أيضاً يا دكتورة أرى لا رؤوساً بل وجوهاً كثيرة .
* تحلمين بوجوهٍ كثيرة ؟
– لا ، بل أراها قبل النوم . حين أغمض عيني تعتم الشاشة تبدأ الوجوه تومض ؛ يظهر الوجه من عمق الشاشة صغيراً وبسرعة يتقدم حتى يملأ الشاشة ، يختفي في اللحظة التي ينبثق فيها الآخر من ذات البؤرة . لا وجه يشبه آخر في نفس الليلة ولا في الليالي السابقة . لا وجه يشبه أي وجه أعرف. ملامح الوجوه ليست إنسانية بالتأكيد..رغم أنها مرعبة إلا أني لا أخافها لكني لا أحبها .. ما هذه يا دكتورة ؟
الدكتورة عوضاً عن أن تقدم لي تفسيراً فاجأتني بأمرها : حدقي في الوجوه بقلب رجل وعقل امرأة !!
الثانية صباحاً أحمل وسادتي أدفع باب غرفة أمي مخلفة ورائي ابني وشيئاً لا أدري ما هو ..
لم أره ، فقط أحسست به ، أمي تسألني – وأنا أندس بقربها – عما بي فألهث وأصمت. لا أحاول التفسير . الخوف يعقل لساني والخجل من ضعفي يكبله أكثر ، يجعلني _ وأنا التي منذ ما لا أذكر من سنين لا أحاول حتى لمس أمي حين أحادثها _ أنطوي في رحم ظلها المنعكس من نور مصباح الصالة .
هو يعود ..أحسه ، أخافه ، أعوذ بالرحمن منه ولو كان جنياً .
وهو لا يرتدع ؛ يقترب ، أنفاسه تعلو ،تصطك بصدغي متسارعة ، عالية . لا حارة ولا باردة ، لكنها مرعبة .
محاولة الهروب مجدداً لن تفيد ؛ فـقبل فراري من غرفتي كنت قد حاولت كل شيء .غيرت موضع رأسي ، قمت من السرير .. فتحت عيني على اتساعهما عله يكون حلماً حين تتلبسني اليقظة الكاملة ينسلخ عني .. لكن جسده الذي لا أشك في ذكوريته رغم هوائيته يدنو أكثر كل مرة . لا اللحاف الذي أشده علي يقينيه ولا تراتيلي ..
في الصباح أتعجب : أنا التي لم أحدد بعد إحساسي تجاه ذاك الذي لاصق جسده جسدي عامين كاملين أقع تحت اختبار جسد ذكوري مرعب هو الآخر.. لِـمَ ؟!
في الليلة التالية نمتُ بعد أن رأيتُ وجوهاً جديدة . استيقظتُ بآخر الليل لأجد ابني ( نادراً ) يدنو من سريري. أطل أنحف مما هو ، جسده ألين مما أعهد ، يتمايل كشخصيات مسرح العرائس باسماً ، مدلياً يديه أمامه. يمازحني ربما ! لكن شيئاً فيه لم يرحني .
أغمضتُ عيني ، ثم فتحتها ، عدت ألتفت لسريره لأجده فيه بمنامة أخرى غير تلك التي كانت عليه قبل قليل . كان علي أن أفهم لحظتها أن ” جنييّ ” اختار الليلة أن يظهر صغيراً في صورة ابني .
الآن وأنا أعود لذكر هذا الموضوع ، للتفكير فيه ولكتابته تعود لي الوجوه . هل أعود للتحديق فيها كما أمرتني الدكتورة وأستمر في التجربة حتى نهايتها أم أتجاهلها .
الدكتورة في المرة الأولى استحثتني قائلة : إنه عالم جميل يا وسمية لو دخلته ..
* أجميل هو عالم الجن يا دكتورة ؟!
* قد يكونون جناً وقد لا يكونون ، لكنه رائع ..
لأول مرة لا أقتنع بما تقوله .
أخجل من أن أقول لها أن ليس جميلاً أبداً ذاك الذي يسابقني إلى فراشي .. لهاثه الحشرجة لا يمكن أن أحتمله ولو قيل لي أن وراءه ما وراءه فكيف وأنا لا أعرف ما وراءه ، وهي لا تخبرني .
لم أعد أفاتح الدكتورة في موضوع هذا العالم بعد أن توقفت عند أعتابه المخيفة لا أتجاوزها بنظرة الإصرار على الولوج التي طلبت الدكتورة أن أتسلَّح بها .
الآن والوجوه تدعوني للعودة تستجرني مرة أخرى أقرر أني أبداً لن أذهب ..
حين أخبرت الدكتورة عن اختفاء الوجوه في المرة السابقة ، قالت أنها انسحبت حين فقدتُ الإيمان بها .
في خاطري يومها قلت: أحسن . لا ردها الله .
الآن أشك إن كان أحسن أم أسوأ ..
أشد الصغير الملون من قبعته المخروطية ، أحدق فيه بقلب رجل وعقل امرأة وأسأله : مطير هل أنت جني ؟ وهل كانوا هم أيضاً جناً ؟ هل أنت مؤذٍ مثلهم ؟ هل هم مؤذون حقاً ؟
هو لا يفعل شيئاً غير أن يبتسم ، أيّاً كانت يومياتي لاشيء يُفقِده انشراحه ، كم أحسده هو الآخر على ذي الميزة .
أقعده محله وأتحسس شعر زاهي الهائش فيبسم أيضاً ، و يومئ لي براحته المفتوحة ” تفضلي إلى قلب علياء ” فأُقَبِّلَهُ ، وبعيداً عن مطير أوشوشه : تظل يا ابن علياء _ كما هي _ اليقين الذي لا يخالطه شك .
هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني

تعليقات القراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *