تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » تجليات غنمة

تجليات غنمة


عرفتُ أنهم سيفعلون بي شيئاً حين قبضت عليَّ أيديهم اللئيمة ، وجرجروني خارج الحظيرة ..
حسبته الذبح ، ثم تمنيته الذبح حين فعلوا شيئاً آخر ؛ غسلوني ، ثم تحسستني يدٌ غريبة ، بعدها جرتني صوب السيارة .

* * *

السيارة تفري بطن الصحراء الواسع الصفرة ، و سلمى المغصوبة مثلي تبكي ..
من تحت الغطاء ذو الرائحة الجديدة الخانقة في الحوض رفعت رأسها قليلاً ، وألصقت خدها بالزجاج تنظر للمرة العاشرة للأثرمين في قمرة القيادة . 
عادت تبكي واسم ” عوض ” وحده يتخلل دموعها التي تجري على فخذي .
لما ارتفع نشيجها قَطَعتْهُ تسألني : ما اسميهما ؟
أحاول تهدئتها وأنا أفكر أنه من غير العدل ألا نعرف من منا لأي منهما ..
ليس فيهما من هو أحسن حالاً من صاحبه ، لكني لو عرفت لربما استطعت طوال الطريق تعليق صورته رغماً في خاطري ثم الإغماض .

* * *

ـ أنسى ماذا ؟!
قالت لي الشاه النجدية قبل أن يحملوني بثقة غريبة : ستنسين كل شيء ؛ حين أتوا بي هنا ( وكان ذلك قبل مولدك ) ظننت أني لن أنسى ، لكنني الآن لا أكاد أتذكر مكاني القديم .
” ستنسين ” ثغت بها تودعني ، وهم يرفعونني لحوض السيارة ، لأكررها طوال الطريق إلى حيث لا أدري ، وهواء بارد يفرق غرتي بعنف كيف شاء .

* * *

ـ لا أدري يا سلمى .. سأرفع رأسي قليلاً وأرى ما يحصل.
تمسكت بي وقالت : الذي فهمته من كلامهما قبل أن نسير أنه ممنوع علينا إظهار أنفسنا متى ما اعترضتنا سيارة غريبة ، وخاصة دوريات الحدود .
أتجاهل كلامها وأُسلل عيناً واحدة بين الغطاء وحافة السيارة ..
خلفنا سيارتان مضروب جنبيهما بالأزرق ، وعلى دماغ كل واحدة عينٌ حمراء تومض وتعوي ..
حين يبرز ” رشاشٌ ” من نافذة أقربهما منا تسرع السيارة التي نحن فيها فأنزلق قرب أختي .

* * *

مرة أخرى هم يجرجرونني ، لكن لأنزل ، لو تركوني لفعلت فما كرهت شيئاً كالسيارة هذه وراعيها .
الحظيرة الجديدة مرعبة بصمت من فيها ، أُدير عنقي للخلف وأرفع صوتي منادية من لا يسمعنني في مكاني القديم ، فيرتفع ثغاء عنزة غريبة ، قررت أنها أول واحدة سأكرهها هنا .
حين فتحت اليد الضخمة التي تقودني الحظيرة غرزت قوائمي في الرمل مصممة على ألا أخطو خطوة أخرى .

* * *

لم يتوقفا ، والمطاردون كذلك ، دوي الرصاص يزداد ويقترب من موضعينا .
شددت المرعوبة سلمى إليَّ ، ورددت عليها تعاويذ جدتي ” عطية ” 
صفير رصاصة صك أذني فأصمها ، أضغط على صدغي ، فتضغط سلمى كتفي وهي تصرخ .
ألمُّها فتغرق أصابعي في دمها الحار . 

* * *

اليد الضخمة صارت يدان ، رفعتاني وألقتا بي في الحظيرة ، فكان وجه تيس أحمر هو أول ما صفع عيني .
اقترب مني يتشممني ، أنفاسه حارة ، وصوت الشهوة في حلقه يرعبني .
استدار خلفي وحك ذقنه في عظام ظهري فقفزت مبتعدة وتخفيت وراء نعاج رابضات .

* * *

يده المرتعشة بنمشها المقرف تهبط على ظهري ، أطوح بها ، وأنا أتحسس من سلمى وراء الستارة التي شدها ذاك الـ كُتبتْ باسمه خبراً .
أفكر في أخي الذي صفعني حين شك بأني كلمت ” غوث ” صديقه عند الباب ..
وأتذكر أمي التي تحمر عينها حتى لا نفكر بالجلوس بين نسوانها الآتيات لزيارتها ..
وأتعجب من أبي الذي حتى بعد أن قبض ثمننا ظل يسد شقوق الجدران كي لا يرانا أحد !!
مم كانوا يحموننا ، ولِمَ ما داموا سيسلموننا في النهاية لذين الغريبين يفعلان بنا ما يشاءان ؟!

* * *

تيسٌ آخر أصغر اقترب مني ، أردت أن أري الأكبر المصير لو حاولني غصباً فغرزت في بطن هذا قروني، هرب ، وظل الأحمر يخاتلني ورائحته تعميني .

* * *

ـ المرة الخامسة التي تغسل فيها اليمنية يديها خلال ساعة !!
قالتها الممرضة بعربية مكسرة ، وأنا أتساءل : كيف عرفت أني لست سعودية ؟!
أنظر للوشم في ذقن سلمى فأظنه الذي وشى بنا .
اقتربت مني الممرضة مستفهمة ، تذكرت توجيهات أمي عن سر المرأة الذي لا محل له إلا صدرها فقررت أن أحكي ..
رفعت يدي نحوها : فيهما رائحة الأثرم وكلما شممتها شعرت بالغثيان .
اعتدلت المتناومتان في السريرين المقابلين ، عين سلمى تنهاني وأنا أحكي حكايتنا .
قالت واحدة منهما حين انتهيت : زوجوك لغريب رغماً ، ومن غير بلدك ، وجاء بك بطريق غير رسمي !! 
أأنت غنمة ليفعلوا بك كل ذلك ؟!!
كلمتها مسختي غنمة ، أو أزالت غشاوة عن عيني فرفعت الشيدر الذي تخفي به سلمى امتعاضها أو قبلة أثرمها الكريه .
كان وجهها العنز أبلهاً وهي تنتظر قولتي .
ارتفع ثغائي : أنا غنمة يا سلمى ، وأنت كذلك ..الآن عرفت .. الآن ارتحت ..

* * *

في الليل كانت لنا ( الأحمر الأثرم وأنا ) صولة جديدة



نشرتها في منتدى شظايا أدبية
١٨-١١-٢٠٠٢م

http://www.shathaaya.com/vb/showthread.php?t=13419

هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *