تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » “بنت عطشة” طفلة على أعتاب البلوغ

“بنت عطشة” طفلة على أعتاب البلوغ

أصعب أشكال السرد الروائي هي تلك التي تُروى بلسان طفل ومن خلال عينيه، إذ يجد الكاتب نفسه مضطرًا لاستعادة عالم فارقه منذ زمن، بلغته البسيطة، وخيالاته الطفولية، وزوايا نظره البريئة والمتمرّدة في آن. وتزداد الصعوبة حين يكون هذا الطفل ابنًا لعصرنا الراهن، بكل تحوّلاته وتشابكاته. غير أنّ أمل الفاران، في روايتها الجديدة «بنت عطشة» الصادرة حديثًا عن دار ديوان، نجحت في تجاوز هذه المعضلة، لتفتح أمام القارئ نافذةً على قرية نجدية تُدعى «فردة»، وهي قرية تعيش صراعها الخاص مع أشباح أغلبها لن يظهر للقارئ، وسيختفي خلف سطور حكاية تسرد تفاصيلها طفلة تقف على أعتاب البلوغ.

تحافظ الكاتبة بمهارة على لغة الطفلة، وتدعونا أن نرى العالم المتخيَّل من منظورها، حيث تختلط البراءة بالنزق، والأحلام بالواقع، والفقر بالرخاء، في مشهد يعكس تحوّلات متزامنة. نستشف انتقال البطلة من الطفولة إلى المراهقة، وانتقال المجتمع بأفراده نحو وعي مختلف بذواتهم وعالمهم في ظل تغيّرات تدريجية من الأحداث التي تحكيها الطفلة مما رأته وسمعته، لذا يتسم النص بفجوات على القارئ أن يملأها، وهذا يحسب للفاران التي احترمت محدودية عقل بطلتها وصوتها.

ما لفتني في نص الفاران قدرتها على نسج تشبيهات بديعة تتفتّق عن ذهن طفلة، وهي تشبيهات تجد جذورها في حياة البداوة، فتنسجم تمامًا مع لغة البطلة ومجال رؤيتها المحدود. كما يبرز في الحكي بضمير المتكلم، منظور الطفلة لعلاقتها بأمها. العلاقة الملتبسة التي نكتشف من خلالها شعور «بنت عطشة» بالإهمال، إذ ترى أن أمها تحابي أخاها الذكر عليها، غير أن الرواية تكشف بذكاء أيضًا أن هذا اليقين ليس سوى انعكاس لوجهة نظر الطفلة، بما يحمله وعيها الناقص من ظنون وتقديرات.

تركت الفاران البطلة دون اسم وألحقَتها بأمها لتشكّل مع والدتها محور السرد الذي يدور في محيطهما، كأن البنت بالضرورة تكمل طريق أمها في مجتمع يصعب عليه التغيير. ونرى هذه الصعوبة في المشكلات اليومية التي تواجهها، تلك التفاصيل الصغيرة التي تكشف عن صعوبة مواجهة مجتمع متشبّث بعاداته، وعن تجربة الطفولة وهي تتأرجح بين التقليد ورغبة التغيير.

لا تحاكم الفاران شخصياتها، بل تمنحها حرية الانفتاح أو الانغلاق أمام القارئ، وفي الوقت نفسه تولي اهتمامًا بالغًا بوصف المكان والزمن بدقة. مما يتيح للقارئ اختراق عوالم الشخصيات ورسم صورة كاملة عن هذا المجتمع وتفاعله مع التغيير، في مواجهة «التمدن» الذي اختارت له الفاران رمزًا وجدته البطلة في إحدى مجلات الإعلانات، وسمَّت به ملاذها الآمن وحُلمها الذي تسعى إلى تحقيقه خارج «فردة».

إيمان العزوزي

موقع ثمانية

https://thmanyah.com/post/1md0k4pxd9_1jhggnmybp

هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *