تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » اثنان

اثنان

هويدي بن صقعة وزنيفر لن يلتقيا أبدا إلا على هذا الورق.

رجلان سكنا بيتا واحدًا، في زمانين مفترقين.

في الزمن الأول اشترت الأسرة عبدًا في اليمن، قايضته بتمر، ونذرته لخدمة النخل.

حين صار جذع العبد في عرض جذع نخلة قرنوه بعبدة ذاوية.

صقعة – مثل كل اليتيمات اللاتي لم يعرفن لمسة أم – عاشت في البيت موصومة بشك مبرر في مهاراتها وذكائها، حتى اسمها قالوا إنها استحقته بغبائها؛ وهي صغيرة، زلت قدمها فسقطت في قدر مرق. لم تمت، لكن بقعة دائرية في جانب رأسها غدت أملس من خد رضيع.

عندما زوجوهما اعتاد البيت سماع صراخها بعد مغيب كل شمس في “حوابيط” النخل.

بعد تسعة أشهر أنجبت ولدا ومات، وبعد ستةٍ أخرى أجهضت بنتا. بعد سنة أنجبت ولدا.

وراء صياحها، لم يسمع أهل البيت صرخة للوليد. صقعة أيضا حسبته ميتا لولا أنّة صغيرة ومتأخرة اقترفها.

لا أعرف ماذا أسماه أبواه، لكن البيت الكبير بعد أن ملّ حركته الخاملة، صوته الخفيض، وقلة حكيه جعله “هويدي” .

وضعت صقعة – بعده – ستة ( بين ذكور وإناث) صالحين للخدمة، ولم يبع السادة منهم غير هويدي.

حمله الذي اشتراه للرياض في ذات الليلة، ولم يتحرر ابن صقعة من عشق حلة العبيد.

حين يندفن هذا التاريخ، سيستقبل هويدي -مرات- أحفاد مُلاكه الأولين وسيحتفي بهم بيته.

زنيفر آخر الأحفاد، نشأ في البيت الكبير حين بدأت جدرانه تتثرم.

عكس هويدي، كان زنيفر هديرا لا ينقطع. كانت قدرته على اجتذاب أصدقاء السوء موهبته الوحيدة، وهي موهبة تنمو وتتطور سنة بعد أختها، حتى أن رفاق مراهقته الذين نهبوا معه اسطوانات الغاز وعجلات السيارات يبدون لطفاء مسالمين إن قورنوا بمن تلاهم.

في شبابه الغابر، زاره ملك الموت مرات عدة، كل مرة يطل في وجهه ويروح.

حين يموت، لن يرجّح أحد من معارفه إن كان سيأخذ كتابه بيمينه أو بشماله. وأصدق ألسنتهم ستهمس: ” الله حسيبه وأرحم به منّا”

قبل أن يبلغ من الكبر عتيا، سيطوف رمال نجد كلها، ولن يمر بأطلال بيت بابن صقعة أو يسمع سيرته، فقد كان يتجنب الرياض، كما يتحاشى المستشفيات، والبنوك.

لو قابل هويدي حفيد أسياده لما غيّر اللقاء في حياة الرجلين أي شيء، كانا متطابقين للحد الذي لن يذكر أحدهما الآخر بعد افتراقهما بلحظة.

نساؤهما متشابهات أيضا، منطفئات النظرة، يتراكم مع شحومهن قهر عصي التصريف.

هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني
الوسوم:

تعليقات القراء

  1. تنهل في القصة السابقة امل الفاران من عمق الثقافة المجتمعية. وتطلق عبر التاريخ المنزوي للجماعات التي يتكون منها المجتمع لترسم قصة شخصيات بسيطة واهية عابرة للزمن وعادية في الآن ذاته. البؤس والضفاء دون صراخ ودون كلمات كبيرة غنما ببساطة جداز نص مميز فيه وعي عميق وحس ثقافي ونكش في أغوار الثقافة المخفيى ورصد لطبيعة مواقف الجماعات والأشخاص. الجميل ان كل ما سبق يتم بهدوء وبساطة مطلقة.

  2. السلام عليكم..
    كلماتك أ. أمل عَبَق ،، جمالها في عمق الوصف ،وبالعمقِ وُصِفت،رحله طويلة أُوجزت في سطور عدة ، ألم وضياع ، حزن وحرمان،شر وخير، خضوع وانقياد،استسلام وتمرد،
    تسلسل مبدع تمنيت ألا تنتهي القصة شعور وكأني أحد أفراد القصة ..سلمت أناملك المبدعة😘

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *