تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » أي الأشجار أنت؟

أي الأشجار أنت؟


،* الشجرة التي ستثمر تعرف بسرعة وأحسبها أول من يدرك ذلك وأكثر من يجب أن يؤمن به,

فلنفترض أنك أنت البذرة الطيبة التي – يوماً – ستستطيل لتغدو شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء، غصنها مورق وثمرها متطامن لقاطفيه,
لو آمنت بذلك رغم أن تباشيرك الأولى لا تؤكد شيئاً ولا تنفيه كيف ستسعى للنماء؟ بأي كائن في مملكة النبات تقتدي وتهتدي؟
أتتخذ الأعشاب أسوة تتمايل وإياها مع كل هبة ريح حذر أن يتجرح عودك أو ينكسر؟ أتمد قمتك النامية للضوء وتأمر جذورك بأن تنتحي للماء؟ أتفعل غير آبه لقامتك
غير المستقيمة؟
أم تصبح نباتاً حولياً بعرق وحيد يابس، إن ابتل نشر اوراقا ملساء تخفي وجه الأرض تحتها، وإن جف اصفر سريعا ثم صار هشيما تذروه الذواري وتلاشى لا أثر ولا
عين؟
أو تكون نبتة متسلّقة لا ملامح لها تزحف نحو طوال الشجر ترتقيها، تلتف حول جذوعها العالية لتعايرها بأنك تساويها قامة؟
أم تقدر منذ البدء أن تكون نخلة لا تنتحي ولا تنحني، لا تساقِط إلا رطباً ولا تموت إلا واقفة؟
،* الخيارات الأولى – كما ترى – تتطلب جهدا أقل، كثير ينتهجها وأكثر منهم يحذِّرون منها فلا يحذرونها وقليل من يقاوم إغراءها,
أما الخيار الأخير فمرهق: فإن تكون نخلة يعني أن تمضي الحول تلو الحول تغرس جذورك عميقا في رحم الأرض علّك تصل جوفها فتأمن بقطرات مخزونه من انتظار غيث قد
لا يأتي وقت تحتاج، وأن تكون نخلة يعني أن تصبر على تكريب جريدك مرة تلو مرة ليشد جذعك قامته مرتفعا ذراعا أو أقل قليلاً, وأن تتحمل عبث الصغار وجحود
الكبار وغارات العصافير وتسلق النباتات الحولية,
،* لعلك تتساءل الآن: كيف تتحمل النخلة كل ذلك؟
وأقول لك: هي تتبع برنامج إنماء ناجح يرتكز على محورين هامين:
،1- قناعتها بأنها عضوة متميزة في دنيا النبات، قادرة على العطاء بأشكال عدة ولمدة طويلة,
،2- سعيها الحثيث للوصول لسقف الانتاج المنتظر كماً ونوعية,
،* إذن فلنتعلّم من النخلة,
المبادىء والمثل أصغر الأطفال يعرفها لكن قلة من الكبار تتمسك بها في صعودها للقمة,
لذا فالمبدع يجب أن ينتهج برنامج تأهيل نفسي ذاتي مشابها لبرنامج النخلة فيعرف بداية أن مساره سيكون غير معبد، ومليء بالمطبات والحفر، ومن جوانبه تنسل
مئات الشوارع الفرعية فتقذف بمن تجره معها إلى حيث لا وصول,ثم عليه – وهذا أهم – أن يفصل بين قيمته الذاتية ككائن خُلق ليبدع وبين رؤيته لحصيلة عمله كناتج
قابل للتقييم والتقويم وكمؤشر على ما يبذله من جهد,
الأولى تحميه من صدمات الواقع الرافعة الخافضة؛ فلا يستخفه مدح ولا يؤذيه قدح أو تجاهل ولا تغريه الموارد الساقطة أو المريبة ليرِدها فهو بقيمته أكبر
وأرفع,
والثانية تمد المسافة الفاصلة بينه وعمله لتمكنه من رؤيته بوضوح محولة إياه من أسوأ ناقد إلى أفضل النقاد لعمله وأصدقهم مسهلة له استغلال قدراته الأجود


وتطوير الأقل ناصّة إياه في النهاية بين شقيقاته ملأى العذوق,

جريدة الجزيرة
أغسطس ١٩٩٨
هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *