ترى الكاتبة السعودية أمل الفاران الفائزة بجائزة الرواية في مسابقة الشارقة للإبداع العربي – الإصدار الأول في دورتها الأخيرة هذا العام، أن مسألة أن يحاكم العمل الأدبي من منظور أخلاقي أو اجتماعي موجة بدأت تنحسر قليلاً في مجتمعنا، نتيجة الضغط المتواصل من الأصوات الجديدة على حد قولها. وتؤكد الفاران التي حققت الجائزة عن روايتها (روحها الموشومة) أن مجتمعها الصغير مارس عليها الكثير من الضغوطات ولكنها استطاعت رغم الكثير من الألم أن تتجاوزه. عقب عودتها من الشارقة كان لنا معها هذا الحوار:
* إلى أي حد يمكن اعتبار فوزك بجائزة الشارقة، تكريسا لتسنم الرواية المشهد الإبداعي في المملكة؟.
ـ فوزي بالجائزة توافق مع فوز الزميلين المبدعين منصور العتيق في القصة، وموسى أبوعبدالله في المسرحية، وهذا من وجهة نظري يؤكد أن الإبداع السعودي حلقة متصلة من الجمال، لا تقتصر على الرواية فقط..
*أنت ثاني امرأة تفوز بالجائزة (بعد ليلى الجهني 98)، هل تتفقين مع مقولة أن المرأة هي الأقدر تأهيلا لكتابة النص الروائي في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج طبقا لما ردده ذات مقالة محيي الدين اللاذقاني؟.
ـ أرى أن المرأة الخليجية- نتيجة زيادة وعيها بذاتها وهامش الحرية الذي تشقه بآلامها وقناعتها بقدراتها – استطاعت أن توصل صوتها إلى أبعد مما يُراد لها، وهي مؤهلة لأخذ موقع يليق بها في ساحة الإبداع التي تتسع لكل جميل بغض النظر عن كونه مذكراً أم مؤنثاً.
* يصف الناقد الاجتماعي الدكتور أبو بكر باقادر أصحاب الكتابات الروائية الجديدة بأنهم (رواد) في جرأتهم ونطقهم بالمسكوت عنه في المجتمع السعودي عبر رواياتهم، كيف تعاطيت مع هذا الرأي وأنت تكتبين رواية؟.
ـ الجرأة (وهي سمة للعديد من الأعمال المطروحة مؤخراً) قد تصنع عملاً ملفتاً لفترة، غير أن العمل الحقيقي الخالد له مقومات كثيرة ليس من بينها الفضائحية، لأن العمل الملفت هو الذي حين يوظف البوح المختلف يجعله جانباً مقبولاً من لُحمة النص لا يمكن عزله عنها، هذه كانت قناعتي قبل الكتابة وأثناءها لذا لم أنشغل بعين المجتمع قدرت ما استسلمت لدفقات الشعور والرؤية التي صاحبت الكتابة، مدركةً أن هناك أكثر من مسكوت عنه في مجتمعنا، وأني ككاتبة – في جانب من دوري – شاهدة على العصر الذي أعيشه، ومن الخيانة لحرفي أن أُحجبِّه أو أجعله محتشماً حين يلامس مرفوضات بعض شرائح المجتمع.
* وجودك في مدينة صغيرة ( السليل) ألا يؤثر في نبضك الإبداعي، خاصة فيما يتعلق برقابة المجتمع والسلطة الاجتماعية له؟.
ـ لم أجرب العيش في مدينة كبيرة، لذا لا أستطيع أن أتكهن بأن الأوضاع ساعتها ستكون أفضل، وأقل ضغطاً علي ككاتبة، مجتمعي بالتأكيد يمارس سطوته على حرفي ويحاول تحجيمه بعد أن عجز عن خنقه، وهو الهم الذي أشارت إليه عدة مقالات لي يوم كنت أكتب بجريدة الجزيرة سابقاً.
إذا حاولت النظر للجانب الإيجابي في الموضوع فإن ذاك الضغط كان دافعاً لي لأثبت لنفسي أني خير من ظنونهم، وأقدر…
ولأكون منصفة فإن وجودي في بلدة صغيرة منحني تجارب ما كان بالإمكان أن أعيشها في المدن، ومنحني عبق الحكايات التي لا تُنتج إلا في القرى.
* انطلقت روايتك من مقاربة هم عام يجمع المرأة في السعودية، ( العمل، الهيمنة الذكورية، معاناة المحبين) ألا تخشين من رأي نقدي قد يرى أنك لم تأت بموضوع جديد في (روحها الموشومة)؟.
ـ أخشى رأي نقدي؟. أين هو الرأي النقدي يا سيدي لأخشاه؟!
الآراء النقدية يا سيدي منشغلة بالأسماء عينها من زمن ولم تلاحظ وجودنا (نحن جيل الشباب بعد)، أتعرف.. حين نشرت مجموعتي القصصية الأولى انتظرت الرأي النقدي ولم يأتِ، ثم همس من همس في أذني أني يجب أن أستجديه، وتألمت، وترفعت، ثم فعلتها.. فلم يأتِ أيضاً، لم أسمع إلا الأصوات النبيلة ذاتها والتي ناقشت العمل من قبل والتي امتلكت أعيناً تبحث عن الإبداع لا عن الأسماء.
عودة لاستفهامك.. أريد أن أسألك: هل أتت الروايات العظيمة بشيء جديد أم إنها قالت القديم المألوف برؤيتها الجديدة؟.
عموماً هي دعوة مني عبر “الوطن” هذا للآراء النقدية لتتناول عملي، ولتقل فيه بعدها ما تراه.
* إلى أي حد يمكن أن تصمدي أمام أي نقد يوجه لعملك من منظور أخلاقي أم اجتماعي؟. أو من ويصف عملك بالسيرة الذاتية؟.
ـ أصمد؟.!
متى سنتخلص من فكرة أن المرأة كائن من ضعف؟!، ماذا سيحدث لي لو قيل أن عملي سيرة؟، هذا يعتمد على تفسيري أنا لرأي كهذا لو قيل، وهل سأعتبره اتهاماً أم لا؟.
أما مسألة أن يحاكم من منظور أخلاقي أو اجتماعي فتلك موجة بدأت تنحسر قليلاً في مجتمعنا، نتيجة الضغط المتواصل من الأصوات الجديدة التي تمارس – دون وعي ربما – دوراً يقوم على سلب حساسية المجتمع من بعض المفردات والأفكار.
بالنسبة لي فقد ذكرت سابقاً أن مجتمعي الصغير مارس علي من الضغوطات الكثير واستطعت رغم الكثير من الألم أن أواصل، وإيجاع ذي القربى هو الأشد مضاضة فإن تجاوزته فما بقي أيسر بإذن الله. بالإضافة إلى أني أتكئ على عائلة رائعة تقدر عملي، وتدعمني.
* في روايتك وردت عبارات جريئة بحسب تفكير المجتمع، مثل تلك العبارات هل فكرت فيها رقابيا (رقابة مجتمع) وأنت تكتبينها في الرواية؟.
ـ بصراحة أثناء الكتابة كنت أهش كل عين رقابية من على ضفة الكيبورد حتى أكتب ما أريد، وبعد انتهاء الكتابة فكرت وقررت أن أشارك في مشروع سلب الحساسية الذي حدثتك عنه طالما أني لا أقول ما هو غير موجود في مجتمعي، ثم عدت ففكرت وتخيلت شكل العمل بعد قصقصة هذه العبارات فما أحببت لثغته المعجمة لذا تركتها رغم معرفتي بما قد يترتب عليها.
* تناولت بشيء من السخرية المريرة ممارسات الوسط الثقافي مع الكاتبة الأنثى، إلى أي مدى يتطابق الواقع مع ما التقطتيه في عملك؟.
ـ جميل أن تستدرجني لأقول ما لا يخفى عليك من أوضاع ساحتنا الثقافية، مثلك تماماً سأقذف الكرة في ملعب غيري وأقول لك: اسأل أي كاتبة سعودية أو صحفية تجرؤ على البوح وستسمع الأغرب. لا أعمم.. لكن ما حكيته كان مقاربة للواقع، وأنت تعرف.
*حدثينا عن الشارقة، واحتفالية الجائزة، وفيم كنت تفكرين وأنت هناك؟. وبم خرجت من التجربة؟.
ـ سأحدثك عما هو غير رسمي في الموضوع أولاً؛ فقبل أن أذهب للشارقة كنت متوترة لأنها تجربتي الأولى في الاحتكاك المباشر بمن يشاركونني الهم الإبداعي (لاحظ أني لم أحتك بأحد منهم حتى داخل وطني)، ولما ذهبت قضيت أول ليلة في شبه عزلة، ثاني ليلة عزلوني هم تقريباً (هكذا أحسست) ربما بسبب رؤيتهم للمرأة السعودية أو بسبب زيي، لكني قررت أن أبادر وأقترب من المجموعة، فكان أجمل ما حصل، إذ خرجت بمعرفة إنسانية عميقة بشخصيات لم يلوثها التصفيق لها، ولا انشغالها به، شخصيات أظن أن كلمة رائعة قليلة في حقهم. وقد كان من الجميل أن أسمعهم وأن يسمعوني (إبداعياً) ولاحظت انبهارهم بي، ومازلت حتى الآن لا أعرف ما أكتبه مبهر حقاً أم لأنهم ما توقعوه؟. وفي الحالتين كلتيهما سيكون ذاك دافعاً لي ليكون قادمي أجمل..
بالنسبة للجائزة فقد كانت تتويجاً لما مضى من جهودي، وتكريماً من جهة لها احترامها.. وقد كنت أحتاجها جداً لأنها تجربتي الأولى في الرواية، ولافتقادي الرأي النقدي المنصف هنا فقد كنت أنتظر منها إشارة تخبرني أن ما فعلته جميل ويستحق أن أواصل محاولاتي فيه، أو أنه ليس مجالي لأتركه.. فجاءت الجائزة.
* وماذا عن طباعة العمل وتوزيعه في السوق المحلية؟.
ـ مازلت أبحث عن دار نشر مناسبة لتتولى طباعة العمل، ومتخوفة جداً لأن تجربتي الأولى كانت سيئة جداً. غير أني واثقة أني سأتجاوز هذه المرة أخطاء التجربة السابقة.
جريدة الوطن
شهر مايو ٢٠٠٥م
أضع رابط الحوار هنا في جسد الثقافة حيث لم أتمكن من إيجاد الرابط في أرشيف الوطن
http://aljsad.org/showthread.php?t=30172