تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » آدم ومشعا

آدم ومشعا

قبل ثلاث ليال، تزوجا امرأتهما الجديدة. ستكون هذه الزوجة الثانية عشرة إن لم تخنها الذاكرة.

رغم انزعاجها من الأصوات العالية والأضواء لا تغادر قاعة العرس قبل آخر المحتفلين، وفي فراشها العريض تحصي تفاصيل الليلة قبل أن تمنح نفسها وسام التقدير.

تعلّمت الكثير خلال خمسة وثلاثين سنة معه، حتى أنها إن ذُكّرت بهفوات البدايات تخلط بينها أو تشك أنها من صنع الخيال: هي مثلا لا تعرف يقينا إن كانت الدمعة التي فرت من محجرها ولمحتها شقيقته نزلت ليلة زواجهما الثالث أو الرابع؟

وتشك كثيرا حين تحاول زوجة ابنها تذكيرها أنها مرضت حين رأت العروس التاسعة؛ فالعرس أقيم خامس ذي الحجة، وسافرت هي للحج في اليوم السابع فمتى كان هذا المرض المدعى؟

ثلاثة عقود ونصف تنظر لها الآن فتراها سهلا منبسطا تهادت عليه بسلاسة، رغم أنف من يلذّ له تذكيرها بهفوات البدايات أو اختلاقها.

*****************

قبل أشهر طلّق الحادية عشرة. قرارات الطلاق تزعجها، تود لو تشرح له أنهما يجب أن يتفقا عليها أيضًا. ويضايقها أن حدسها الذي لا يخونها في الزواج يتفاجأ دائما بالطلاق.

حين يفكر بالنساء تعرف ذلك في رائحة جسده، في لطافته المباغتة، في يده المغلولة مؤقتا، وهو أمر منطقي حين يكون على وشك أن يبسطها كل البسط للعروس وأهلها ومن شارك في الخطبة ومن باركها، أما الطلاق فلا تسبقه إشارة، أو أن الدلائل تسبقه وتعمى هي عنها.

*****************

من أول عشرتهما، تتذكر بحنية كيف كان يفتعل أي شجار قبل مفاتحتها بأي زواج. يراكم التهم في حجرها ليحمّلها مسؤولية القرار. بعد سنوات عرف أنه لم يكن عليه أن يجتهد، وأنها لا تحتاج أن يبرر شيئا، فهي تفهمه.

ما لم يتغير في زواجاتهما هو قريباتهما، يحمن حولها قبل كل عرس وبعده بحثا عن الإثارة، وتفهمهن أيضا. تسمع ثناء من تثني رجاحة عقلها وتواسي أنين من تئن لها نيابة عنها، وتتبسم في وجه التخرّصات حول موقفها، تخرصات تُخبز في هيئة إشاعات وتقدم لها طازجة.

مرة واحدة قصدتها إحدى زوجاته لتستشيرها ولم تبخل عليها، ولم تكن النصائح لتنفعها – على أي حال – فقد طلقها في اليوم نفسه.

*****************

قبل ثلاث ليال، وكالعادة طيّبت ثوبه، عباءته السوداء الرقيقة، شماغه، وحتى ملابسه الداخلية. مسحت بدهن العود عارضيه اللذين يتصرمان عرسا بعد آخر. كل عروس تقصف شعرات رأسه، وتسرق من سواد لحيته.

قبل أن يخرج، أطعمته وجبة خفيفة، ودعت له بالتوفيق، ثم قعدت أمامه لتتلقى خطاب العرس.

يكرر لها عباراتٍ تتسلى بمراجعة أي تقديم أو تأخير فيها، وتتعلم كيف تقنص ما يتخللها من كلمات لهجات الزوجات الطارئات التي يطعم بها خطابه التوديعي.

*****************

يأتي بزوجاتهما الجديدات صباح العرس، فتبقيه هو والزوجة قليلا قبل أن تدخل. تراقبه وهو ينظر للعروس متوترًا، ويقيّمها مرة أخيرة قبل حكمها النهائي.

مهما حاول قراءة رأيها تظل تحجبه ببرقعها حتى يخرجان. يعود سريعا بحجة أنه نسي شيئا، أو يتصل بعد ساعة، لتسمع بعد بضع جمل باهتة لهفته: هاه؟ احكي!

ذوقه يتأرجح، وقد باتت تتعمد العبث به، تلفت نظره لعيب تقول إنه لا يغتفر في صورة المرأة، فيغفل عن سواه لتفاجئه في المرة التالية بانتقاد سواه.

*****************

لأول مرة يتأخر عليها بالأخبار، لم تنم البارحة، كان يجب أن تعرف ماذا قالت العروس عن أثاث الشقة الذي اختارته هي بعناية، وما رأيها بأسنانه التي ألحت عليه وزرعها قبل أشهر؟ وهل تعرف في الفراش أمرا لا يعرفانه وسيسر به لها في أول خلوة؟

الكلام تسليتها الأخيرة ولن تسمح أن تُسلب منها.

٣ أغسطس ٢٠١٩

هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *