حصل ذلك فجأة، شعرت به بعد عدة أيام من خروج آخر مولودة لي للنور لكني استعذت بالله ثلاثاً وتجاهلت الأمر,
بعد عدة اسابيع تذكرت عبارة وردت في كلمات سارتر يقول صاحبها عن نفسه: أعلم أني لست سوى آلة لعمل الكتب ورغم أني أدرك بأسف اني لست كذلك إلا اني رأيت نفسي آلة معطلة فقلت لها مشجعة: هي استراحة,, إغفاءة,, ربما إغماءة لن تطول لأن مولودة أجمل ستقبل نحوي عما قريب متبخترة لتمنحني قُبلة الحياة,
شهران مرّا ذكّراني كلمات سومرست موم التي نعى بها نفسه فشعرت اني بت أفهم دوافعه لكني واسيت نفسي بأن عددت لها كماً من الكتاب جفت أحبار اقلامهم فترات معينة عادوا بعدها أقوى وأقدر؛ فالتوقف كان مرحلة انتقالية يتشرنق فيها قلم الكاتب ليرجع بعدها أزهى لوناً وأفصح منطقاً,
اليوم أجدني أكثر توقاً للخروج من حالة العقم هذه لكن ما باليد حيلة فأسوأ ما قد افعله هو أن اصف كلماتي المتقاطعة وأصبها في قالب جاهز لأخرج قصة مطابقة للمواصفات والمقاييس,
ان اجمل ما في القصة وأغرب ما فيها أني بعد كل قصة أفقد أبجديات الكتابة فكل قصة بعد اكتمالها تصير حالة خاصة لا يمكنني الاعتماد عليها في خلق أخرى جديدة كل الجدة,
إذ أن أسوأ طرق الكتابة الطريق الممهد الذي أرى آثار أقدامي فيه، وبانتظار القصة الجديدة التي لا أعرف متى يحلو لها أن تطل، أمر مرهق جداً، اقطع لحظاته بالحكي فأسأل نفسي بداية كل نهار جديد: ما ذا لديك اليوم؟ ما جديدك؟ فتجتهد في عرض افكار استخلصتها من تجارب ذاتية حية أو من حلم يقظة بائت أو من فكرة وجدتها ملقاة على قارعة الطريق تحاول اغرائي بها فتبدأ بتصويرها بحماس مصطنع تفقده قبل أن تختم عرضها فأتذكر أنا أكف اخوتنا المصريين التي يرفعونها تالين الفاتحة على أرواح موتاهم فأتمتم عوضاً عن ذلك قائلة: عظم الله أجري فيّ حتى حين!
جريدة الجزيرة
إبريل ١٩٩٨