تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » حياتي

حياتي

منذ أكثر من عام وببالي فكرة رواية، وهي فكرة رائعة، طبعا لن احكيها لكم حتى لا تسرق فلست ممن يلقون أفكارهم على قارعة الطريق.
فكرتي عذبتني لطول ما ألحت عليّ دون أن أقدر على إتمام الفصل الأول منها, ما كان العيب فيها، لا ولا في قدراتي بالتأكيد (فأنا كاتبة عظيمة).
العيب كان في ظروفي التي تلتهم وقتي وتضيع جهدي فأنىّ لي بمكان انزوي فيه بعيداً عن أعين وأيديالأهل والصديقات حتى افرغ من الكتابة؟! يبدو ذلك مستحيلا فحتى غرفتي لا يسمح لي أن أغلق بابها عليّ ساعتين متصلتين (خاصة إن كنت سأكتب).
هل بدأتم بالتفكير في حلول تساعدني؟ أرجو ألا تفعلوا فالمشكلة لم تبدأ بعد لنقل أنها ولدت مع دوللي كلكم تذكرون دوللي النعجة إلا أن كانت دعاية الفياجرا قد أنستكم ما قبلها, أنا لما رأيت صورة دوللي فكرت، حلمت بدوللي بشرية تكون نسخة أخرى مني لتحل محلي حتى حين, ظل ذلك حلما إلى أن قرأت في مجلة أجنبية عن ذلك الدكتور الذي غدا – لاحقا – شريكي في تحقيق أمنيتي.
هو أيضا كان مبهورا بدوللي ويطمح أن يكون أول من يستنسخ واحدة آدمية ورغم أن ذلك محظور في بلده إلا أن شهوة التجربة أحرقته لن ادخل في تفاصيل يعتبرها صديقي الدكتور سرية فقط سأخبركم أنّاالتقينا في ظروف معينة وصنعناها بعد أن اتفقنا أن آخذها معي عدة اشهر لتكون بديلتي ومتى انتهيت من كتابة روايتي أعيدها له ليتم عليها تجاربه, ماذا أقول لكم عنها؟ إنها أنا فقط هي اهدأ قليلا ، أكثرطاعة لامي، أشد حنانا مع جدتي، خدومة لإخوتي صدوقة كما يتمنى أبي، ومجتهدة كما تريد أستاذاتي(ذلك أني جعلتها تنوب عني حتى في المدرسة).
مذ جاءت اعتكفت أنا في ملحقنا المهجور فيما صارت هي تزودني بالطعام والأخبار كل ليلة كان ذلك مسليا جدا أول ليلة كانت الأكثر إثارة ، لم استطع أن اخط حرفا واحداً ظللت انتظرها بلهفة آخر الليل لما سمعت خطواتها مقبلة غالبت ضحكتي, فتحت هي الباب ووقفت به ساكتة لدقيقتين متواصلتين في نظرتها الحادة شيء من غضب, كنت استحثها على الجلوس والكلام فلما جلست بكت طويلا ومن بين عبراتها تدافعت كلماتها: أبوك ما يطاق، أمك ملحاحة، إخوتك يلزمهم إعادة صياغة، أما جداك فإلى المقبرة،,, ما فيهما ما يمكن إصلاحه، ضممتها بقوة: أنت تشبهينني جدا.
لن اروي لكم تفاصيل الأيام التالية فتلك أسرار عائلية!
لما شارفت على إتمام روايتي انقطعت بديلتي عن زيارتي ثلاثة أيام متتابعة.
قلقت عليها، لذا لما انتصفت الليلة الرابعة لم أطق صبرا ما إن أطفئت أنوار المنزل حتى تسللت عبر الحديقة إلى حجرتها (حجرتي) دنوت من نافذتها فسمعت همهمات غريبة ، ألصقت أذني بها فالتقطت مفردات عجيبة بصعوبة أدركت أنها تهاتف  !!
وهنت أطرافي، أحسست أن يدا من حديد تضغط صدري, أنفاسي باتت تطلع بمشقة تكومت تحت الجدار تائهة بردانة: هذا – إذا – الذي ألهاها عن المجيء إلى؟!
موجة غضب عارمة استبدت بي وان أتساءل: ماذا افعل تخيلت أني اقتحم المكان وأحطم الهاتف على رأسها دون نقاش، لكني لما تكاملت صورتها بخيالي ارتعت.
انتزعتني ضحكتها الفاجرة من خواطري تسمعتها حتى سكتت عن الكلام غير المباح وصكت السماعة.
عزمت أمري ثم انتظرت حتى استوت في فراشها بعدها طرقت النافذة، وطرقتها مرة أخرى لما طال انتظاري، بتردد أزاحت الستائر فطالعتني عيناها وجلتين ، تفرست فيها ثم حمدت الله سرا: الآن أناواثقة أن خطاياها لم تتجاوز الاتصال خوفها أنبأني.
بدت مترددة وهي تساعدني للقفز من النافذة للدخول، ثم تمالكت نفسها واستفهمت مني عما أريد لم تعتذر عن غيابها ولم أكن أنتظر منها ذلك, كنت قد قررت أن نتبادل المواقع إلى أن أجد سبيلا لترحيلها سردت كذبتي باختصار مدعية أن الدكتور يريد منها أن ترجع حالا ببرود ردت: وماذا قلت له؟
– ماذا كنت أقدر أن أقول؟!,, تعرفين أني أحببتك (هنا شعرت بغثيان) ,, ولكن الموضوع كله في يده لم اظفر منها سوى بنصف ابتسامة طويلة أشعرتني أني صغيرة جدا ومفضوحة جداً جداً، تدافع الدم الحار لوجهي فخفضت عيني متمتمة! ما بقي وقت كاف,, يمكن يجيء في أي لحظة,, عجلي تجهزي.
بثقة – وهي تضغط على كل حرف – أجابت: ما أنا بذاهبة.
شعرت أن يدا خفية أطبقت على روحي وقذفتني بعيدا,, بعيدا, كدت ابكي حتى هي انتبهت لأول دمعة في عيني تمتمت لي؛ اسمعي,, بصراحة حياتك أعجبتني وما أبغي أن أفرط فيها لكن مادامت ذي رغبتك فسأفعل ، لكنها قبل أن أفرح أكملت: فقط وحتى ما تعتقدي أني غششتك لابد أن أعلمك بشيء ما حكيت لك عنه قبل، من شهر تقدم لي واحد من الأقارب,.
التفت لها مصعوقة فواصلت بنفس النبرة: وأنا وافقت لأن أمي تقول أنه رجل طيب وأخلاقه عالية.
صرخت: أخلاقه عالية وطيب؟! وصاحبك على الهاتف أخلاقه عالية أيضاً ؟!
خلافا لتوقعاتي رفعت رأسها بهدوء وأومأت بيدها:  ذا مجرد تسلية إلى أن يتم زواجي هذه المرة انتحبت؛ ما عاد من داع لأخفي ضعفي , أما هي فلم تتحرك حتى سكتُّ عندها نظرت إلي طويلا ثم وضعت يدها على كتفي قالت: لا تبكي فكري في حل وتذكري أنها ما كانت غلطتي من البداية.
قلت: زين! الحل أن تختفي واحدة منا قبل أن يطلع الصبح ، أدري انك تبغين الحياة ، أما أنا فما أبغيه أكثر.. إذاً أنا أقرر.
بعد أن ساعدتني على الخروج من النافذة مجددا عدت لملحقنا المهجور وقضيت الليل كله أراجع نص روايتي وفي الصباح سلمتها إياها لتنشرها (كما وعدتني) بعد أن أغيب.
 
١٩٩٧م
من مجموعتي القصصية ” وحدي في البيت 
ويبدو أنه قد أعيد نشرها في جريدة الجزيرة
هل تود معرفة كل جديد ؟
يمكنك معرفة آحدث ما تم نشرة أول بأول , كل ما عليك هوا إضافة بريدك الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *